الخميس, مارس 28, 2024

اخر الاخبار

تقاريرالجوع المُستَتِر: اللحظة ملائمة لمعالجة سوء التغذية وتكاليفها البشرية الهائلة

الجوع المُستَتِر: اللحظة ملائمة لمعالجة سوء التغذية وتكاليفها البشرية الهائلة

جوزيه غرازيانو دا سيلفا
في حين تصيب لعنة سوء التغذية الفئات الأضعف في المجتمعات، فإنها تُلحق أشد الأضرار بالأفراد لاسيما في مراحل العمر الأولى. واليوم هنالك ما يتجاوز 800 مليون يعيشون حالة مزمنة من الجوع، أي نحو 11% من مجموع سكان العالم. هذا ما أكده جوزيه غرازيانو دا سيلفا مدير عام منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO).
ويُعد نقص التغذية سبباً كامناً وراء ما يقرب من نصف مجموع وفيات الأطفال في عالم اليوم، بينما يعاني من تقزّم النمو نحو ربع مجموع الأطفال الناجين مِمن ما زالوا على قيد الحياة. أمّا قصور المغذيات الدقيقة أو ما يعرف باسم “الجوع المستتر”؛ لافتقار الوجبة الأساسية إلى المغذيات الدقيقة من فيتامينات ومعادن وغيرها، فيوثر على ما لا يقل عن ملياري إنسان على ظهر الكوكب.
ومن الأوجه الأخرى المُجزعة لسوء التغذية، تأتي ظاهرة السمنة التي يتواصل انتشارها. فثمة أكثر من 500 مليون شخص بالغ، يعانون من البدانة بسبب الوجبات الغذائية المحتوية على كميات مفرطة من الدهون والسكريات والملح، مما ينشر أدواء خطيرة غير معدية كأمراض القلب والسكتة الدماغية والسكّري والسرطان، والتي باتت الآن في مقدمة أسباب الوفاة في جميع أنحاء العالم. ويشكل سوء التغذية مقروناً بقلة النشاط البدني أيضاً نحو 10 بالمائة من العبء العالمي الكلي للأمراض المستشرية.
واليوم أصبح العديد من البلدان النامية يواجه أعباء متعددة من جراء سوء التغذية، حيث يعيش في نفس المجتمعات أحياناً بل وحتى داخل الأسرة الواحدة أفراد مصابون بنقص التغذية، والجوع المستتر، والسمنة.
وقال مدير عام منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة إن مثل هذه الأرقام هي مروّعة بحق، ويجب أن تأتي بمثابة نداء عالمي للعمل.
وبغضّ النظر عن المعاناة الإنسانية الشنيعة، تتمخض النظم الغذائية غير الصحية أيضاً عن عواقب وخيمة بالنسبة لقدرة البلدان على التطور والازدهار. وتُقدَّر تكلفة سوء التغذية، بجميع أشكالها، بما يتراوح بين 4 و5% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم أجمع.
لذا، سيلتئم شمل قادة الحكومات، والعلماء، وخبراء التغذية، والمزارعين، وممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص من مختلف أنحاء العالم في اجتماع رفيع المستوى بالعاصمة الإيطالية، من 19 إلى 21 نوفمبر الجاري لعقد المؤتمر الدولي الثاني المعني التغذية (ICN2)، في فرصة لا يُعقل أن تفوتنا.. لكي يصبح حق الشعوب في امتلاك نظم غذائية صحية واقعاً شاملاً و معاشاً.
ويُعدّ إرساء نظم غذائية صحية ومستدامة السبيل الأمثل إلى التغلب على سوء التغذية بجميع أشكالها، من الجوع إلى السمنة.
ومنذ عام 1945، تضاعف إنتاج العالم من الغذاء ثلاث مرات، في حين لم يرتفع متوسط توافر الغذاء للفرد سوى بنسبة 40% فقط. ونجحت النظم الغذائية التي نملكها في زيادة الإنتاج، لكن ذلك جاء على حساب تكلفة بيئية عالية ولم يكن كافياً على الدوام لدحر الجوع.
في الوقت ذاته، واصلت النظم الغذائية تطورها بتصنيع نسبة أكبر باستمرار من المواد الغذائية التي يجري تجهيزها وتداولها تجارياً، مما أسفر عن كميات متزايدة باستمرار من الأغذية العالية المحتوى من الطاقة، والدهون، والسكريات، والملح.
كذلك، فإن النظم الغذائية التي نملكها هي ببساطة غير قابل للاستدامة وغير صحية، فما بالك بحلول عام 2050، حين سيتعيّن إشباع احتياجات أكثر من 9 مليارات نسمة. وإذا كنّا بحاجة إلى إنتاج مزيد من الغذاء، فلا بد من أن يكون ذلك غذاء مغذياً وصحياً… وأن ننجز هذه المهمة مع الحفاظ أيضاً على قدرة الأجيال المقبلة لتلبية احتياجاتها مستقبلاً بأنفسها. وببساطة، فإننا بحاجة إلى نظم غذائية صحية ومستدامة لتحقيق التوازن المنشود من الأغذية، كمياً ونوعياً، ووضعها في متناول الجميع… إذا كان لنا أن نحيا حياة صحية ومُنتجة ومستدامة.
وتوطئة للاجتماع العالمي المرتقب والرفيع المستوى، أي مؤتمر (ICN2)، اتفقت البلدان على إعلان سياسي وإطار عمل حول التغذية من المعتزم أن يتضمن توصيات عملية لتطوير سياسات متماسكة ومُناسَقة في مجالات الزراعة، والتجارة، والحماية الاجتماعية، والتعليم، والصحة من شأنها أن تعزِّز النظم الغذائية الصحية وتنهض بمستويات التغذية في جميع مراحل حياة الفرد.
ويضع إطار العمل المطروح في إعلان التغذية الدولي المرتقب، خطة في أيدي الحكومات لتطوير وتطبيق سياسات وحشد استثمارات وطنية في مختلف مراحل السلسلة الغذائية، ضماناً لتوافر وجبات صحية ومتنوعة ومتوازنة للجميع.
ويمكن أن يشتمل ذلك على تعزيز الإنتاج الغذائي المحلي وصناعات التجهيز الغذائي، وبخاصة من قبل المزارعين الأسريين وصغار المنتجين، وربطه بالوجبات المدرسية؛ والحد من الدهون والسكريات والملح في الأغذية المصنعة؛ وتمكين المدارس والمؤسسات العامة الأخرى من تقديم وجبات صحية؛ وحماية الأطفال من تسويق الأغذية والمشروبات غير الصحية؛ والسماح للأفراد باتخاذ قرارات متنوّرة بشأن ما يأكلون.
وإذ يتعيّن على الوزارات الحكومية للصحة، والزراعة، والتعليم أن تأخذ بزمام هذه المبادرة، تتضمن نفس المهمة جميع المشاركين في إنتاج وتوزيع وبيع المواد الغذائية بلا استثناء.
وينشد إطار العمل المقترح أيضاً تعبئة استثمارات أكبر لضمان حصول الجميع على تدخلات تغذوية فعالة، مثل حماية وتشجيع ودعم الرضاعة الطبيعية، وزيادة المغذيات المتاحة للأمهات.
وبوسع البُلدان أن تباشر بتنفيذ هذه الإجراءات الآن. أما الخطوة الأولى فهي طرح أهداف وطنية للتغذية بلوغاً للأهداف العالمية المتفق عليها، على النحو المتضمّن في إطار العمل. ولا شك أن المؤتمر الدولي الثاني للتغذية إنما يتيح اللحظة الملائمة والمنتدى المناسب لقطع هذه الالتزامات.
ويقف كلا FAO، ومنظمة الصحة العالمية (WHO) على أهبّة الاستعداد لمساعدة البلدان في هذه الجهود والمساعي، من خلال تحويل الالتزام إلى إجراءات، والتعاون على نحو أكثر فعالية فيما بينهما ومع غيرهما من أصحاب الشأن.. لأن اللحظة ملائمة والفرصة متاحة في متناول العالم للتخلص خلال جيل واحد من الأعباء العديدة المترتبة على سوء التغذية والجوع المستتر بجميع أشكالهما.

اقرأ المزيد