الجمعة, مارس 29, 2024

اخر الاخبار

مقالاتد. على فخروهل ستنتعش رأسمالية الكوارث فى بلاد العرب؟

هل ستنتعش رأسمالية الكوارث فى بلاد العرب؟

د. على فخرو

منذ بضع سنين نشرت الكاتبة والصحفية نعومي كلاين كتابها المعنون “مبدأ الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث”.. تؤكد المؤلفة بأنه ما إن حدثت كارثة طبيعية كبيرة في بلد، كإعصار كترينا الشهير الذي ضرب ولاية نيو أورلينز في جنوب الولايات المتحدة، أو اجتياح وإحتلال بربري غير أخلاقي لبلد، كالاحتلال الأمريكي الاستعماري التآمري على العراق، أو أزمة مالية كبيرة، كما حدث في العديد من البلدان عدى مرُات، ما إن حدثت مثل تلك الفواجع الشاملة الموجعة للجميع حتى برزت ظاهرة ملفتة، متماثلة إلى أبعد الحدود، في تلك الأحوال.

إنها ظاهرة الصدمة الاجتماعية التي تصاب بها كل مكوًنات المجتمع، بحيث يفقد المجتمع توازنه وكثير من قيمه وتصبح لديه قابلية لقبول الكثير ممُا كان سابقاً لا يقبله. هذا السًقم الاجتماعي والنفسي الموجع يجعل المواطنين متلهفين للخروج من آلامهم وأوجاعهم بأيُ ثمن كان.

هنا تأتي قوى رأسمالية الكوارث، بانتهازية لجني الأرباح، وبلؤم وقسوة لتغيير السياسات والقوانين لصالح الشركات وأصحاب الثروات وضدُ مصالح الفقراء والمهمًشين.

تعطي نعومي كلاين أمثلة لشرح ما تعني، ففي نيو أورلينز تهدًمت الكثير من المدارس الحكومية التي كان التعليم فيها مجانياً. في الحال تقدم الأغنياء المموُلون بغرض بناء تلك المدارس بشرط أن تسًلم تلك المدارس إلى شركات تعليم خاص لإدارتها. كان الهدف السياسي واضحاً: تغيير التعليم المجاني الحكومي ليصبح تعليماً خاصاً مربحاً تديره شركات خاصة. وهكذا، وتحت وطأة صدمة الكارثة، جري تغيير جذري في النظام التعليمي، ما كان من الممكن قبوله من قبل المجتمع قبل حدوث الصُدمة.

المثال الآخر ما حدث من خصخصة واسعة النطاق لأغلب الخدمات الاجتماعية، من مثل الصحة والتعليم والسًكن ورعاية الأيتام والفقراء والمعوزين المهمًشين، والتي كانت تحمل مسئوليتها الحكومات، وذلك بعد حدوث أزمات مالية أو انقلابات عسكرية أو مؤامرات من قبل استخبارات أجنبية. لقد فرضت خصخصة جائرة في العديد من بلدان أمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا وأوروبا الشرقية.

لقد قبل مواطنو تلك البلدان حلول الخصخصة تلك اعتقاداً منهم بأنها ستخرجهم من الأزمات الطاحنة الصادمة التي كانوا يعيشونها. كان الرابح هم الشركات والممًولون من أصحاب الثروات وكان الخاسر هم المواطنون الذين شيئاً فشيئاً أصبحوا يعيشون في ظلً حكومات لا التزام لديها تجاه مواطنيها في حقول بالغة الأهمية من مثل الصحة والتعليم على الأخص.

تذكر الكاتبة بإسهاب شديد أن وراء فلسفة رأسمالية الكوارث التي تستغلُ كل كارثة لصالحها من جهة ولإجراء تغييرات سياسية واقتصادية كبرى في البلدان المصابة بتلك الكوارث.

أن وراء تلك الفلسفة، تنظيراً واقتراح وسائل وإقناعاً لحكومات الغرب ولمؤسسات الضغط المالية الدولية، مدرسة شيكاغو بقيادة الاقتصادي النيولبرالي العولمي المخاتل والمعلًم لألوف القادة العالميين، الفيلسوف ميلتون فريدمان.

إنه صاحب القول الشهير: “فقط إبُان الأزمات والصُدمات يمكن إحداث تغييرات حقيقية.. فما كان سياسياً أمراً مستحيلاً، يصبح في الحال أمراً ممكناً. لقد كان هو ومدرسته وراء نهب فقراء نيو أورلينز، وراء الاستشارات المقدُمة للطاغية بينوشيه في تشيلي الأمريكية الجنوبية من أجل خصخصة كل شيء، وراء تلك خلفية لسؤال يطرح نفسه: هل أن الأمر نفسه يحدث في بلاد العرب التي تواجه أزمتين صادمتين في آن واحد؟ أزمة هبوط أسعار البترول في بلدان الغني البترولي التي إن طالت ستوجد أزمة اقتصادية ومالية هائلة، وأزمة الصًراعات الدموية الداخلية في العديد من الأقطار العربية التي دمُرت البنيات الحياتية والعلاقات الاجتماعية وتنذر بكوارث مستقبلية لا يستطيع أحد أن يتنبأ بمداها وحدًتها؟

هل أن الفكر النيولبرالي الرأسمالي الانتهازي لمدرسة شيكاغو سيجد لنفسه مكاناً وأنصاراً يستغلُون الأوضاع العربية البائسة أو المأزومة ليجنوا الأرباح من جهة وليمرًروا سياسات واستراتيجيات تؤدُي إلى تخلُي الحكومات عن مسؤولياتها الاجتماعية والدول عن التزاماتها الإنسانية؟.

لنتذكر أن ميلتون فريدمان لم يكن عرًاباً أمريكياً فقط. لقد كان عرًاباً عولمياً له أنصار ومريدون في كل العالم، بما فيها بلاد العرب. إنً موته منذ بضع سنوات لم يمت مدرسته ولافكره الانتهازي. إنه فكر يتلاءم تماماً مع النيولبرالية العولمية إينما تكون، وهي موجودة بقوة في أرض العرب.

هناك حاجة لفضح ذلك الفكر وأساليب عمله الشيطانية قبل أن يصبح أداة في ايادي من يريدون دماراً للسياسة وللاقتصاد في أقطار الوطن العربي المنكوبة أو المأزومة.

إنها مهمة تاريخية وجودية.

 

 

اقرأ المزيد