الخميس, أبريل 25, 2024

اخر الاخبار

مقالاتد. على فخروالأنماط الحياتية القابعة وراء الاشخاص

الأنماط الحياتية القابعة وراء الاشخاص

د. علي محمد فخرو

أبداَ، يعيد التاريخ نفسه المرًّة تلوا المرًّة في بلاد العرب. مًّما يتكرر في مسيرة تاريخنا الحديث هي الجهة التي يتجًّه إليها إصبع الإتهام واللًّوم في حياتنا العامًّة كسبب شبه وحيد لكل مشاكلنا الحياتية المجتمعية.

إبًّان فترة الإستعمار كان لدينا نظام إقطاعي إستغلالي أفقر الفلاحين من خلال نظامي السًّخرة وشبه العبودية. وكانت لدينا أنظمة حكم محليًّة، قبليًّة أو مدنيًّة ،خاضعة لسلطة الاستعمار وتأتمر بأمرها، تمارس شتًّى أنواع الإستغلال والتمييز والفساد.

لكن إبًّان تلك الفترة كان إصبع الإتهام يتجه إلى سلطات الاستعمار كسبب لظواهر الفقر والمرض والجهل وغياب الحريات والعدالة والكرامة الإنسانية. كانت تلك ممارسة إنتقائية تلوم جهة واحدة خارجية وتنسى باقي الجهات الداخلية.

وعندما خرج الاستعمار وحكمت ارض العرب أنواع من القوى، عسكرية وقبلية وتاريخية دينية وحزبية وخليط من هذا وذاك، إتجه إصبع الإتهام الى العسكر الذين انقلبوا على الشرعية ولايفقهون شيئاً في السياسة، أو القبليين الذين يرجعون عجلة التاريخ إلى الوراء ويحاربون الحداثة، أو رجال الدين السلفيين المتزمتين، أو اللبراليين المتغرًّبين.دائماً كانت هناك جهة مايقع اللوم الأكبر عليها.

لكن من أكثر اللوم المتخيًّل لوم القضية الفلسطينية. فالإنشغال بها والإعداد لمقارعة مسبًّبيها من الصهاينة والاستعماريين كان على حساب التنمية والتقدم، خصوصاً عندما طرح البعض شعار: “لا يعلوا صوت على صوت المعركة”. وها أننا، في أيامنا الحالية، نقرأ لبعض الكتبة المنقلبين على تاريخهم النضالي، ان حلً إشكالياتنا التنموية والحضارية سيبدأ حالماً نطبًّع كل العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني في فلسطين ونقبل به كجزء من ” العالم العربي” أو ” الشرق الأوسط الكبير”. إصبع الإتهام في هذه المرة يتجه إلى روابط العروبة القومية التي تلزمنا بالوقوف إلى جانب الشعب العربي الفلسطيني الشقيق.

أخيراً، بدأ كتُّاب تغطية الفساد وتبرير حياة اللامساواة والظلم والقهر العربية بتوجيه إصبع الإتهام إلى وجود الجهاد التكفيري العنفي الذي يعطُّل التنمية وحلًّ مشاكل التقدم الحضاري.

هي مسيرة طويلة، تتغيًّر عناوينها وأسمائها ، ولكنها دوماً لا تشير إلى مصدر الخلل الأساسي الذي ينتج كل تلك القوى أو الظواهر أو المطبات في حياة مجتمعات العرب ويجعلها قادرة على إعاقة التنمية للخروج من حالة التخلف العربي التاريخي الذي لا زلنا نعيشه أو ندور كالها ئمين حول كعبته.

اساس المشكلة يكمن في أنماط العيش التي تحياها مجتمعات العرب وتتحكًّم في النتائج والمسيرة والمنهج.

فنمط الحياة السياسية، القائمة على الغلبة وغياب الشرعية الديموقراطية التي، هي بدورها، تحكمها الشفافية والحكم الرشيد وإشراك المجتمع والمساءلة، لا يمكن إلاً أن تغطًّي على قلة الكفاءة والفساد والسًّرقة، وبالتالي الفقر وترهُّل الخدمات الاجتماعية واللاًّمساواة. أياً تكن مصادر السلطة وأنواعها فإنًّها، في أجواء ومحدًّدات ذلك النمًّط من الحياة السياسية، لابًّد أن تقود إلى ذلك البؤس الإنسانى.

نفس الشيئ ينطبق على نمط المجتمعات الثقافي. فعندما يسمح بأن ينحبس في إملاءات تراثه الماضي، ويتشكًّك في كل ماهو حداثي عصري، ويعتبر العقلانية عدوًّة للدين، ويقبل بالمقولة الفقهية التي لا تجيز الخروج على ولاة الأمر بسبب أخطاء دنيوية يرتكبونها إتقًّاء لفتنة متوهمة، ويخضع لعلاقات أبوية تسلطيًّة في تسيير أمور المجتمع التي تمسُّ معيشته وحريته وحقوقة الإنسانية.. عندما توجد هكذا ثقافة ينقلب الإنسان إلى فرد إتًّكالي غير مبدع وغير منتج.

هنا أيضاً اللًوم الأساسي يجب أن يوجًه إلى هكذا ثقافة. نقدها وتجديدها يؤدُيان إلى حلً القائم. أما التركيز على حامل تلك الثقافة وعلى إزاحته فانه يؤدي إلى حلول مؤقًّته.

الأمر نفسه ينطبق على نمط الحياة الاجتماعية. فوجود نمط الحياة الاجتماعية القائم على إملاءات العلاقات القبلية وعلى بلادات الصًّراعات الطائفية هي الكامنة وراء القناع، وهي التي يجب أن تحارب وتنقد وتعدًّل كل جوانبها السلبية.

إزاحة الأفراد أو الأنظمة مطلوبة بالطبع، عندما يصُّر أصحابها على تسيير الأمور بتلك الأنواع من أنماط الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعيه. لكن هذا لن يكفي قط، إذ ما أن يسقط أو يزاح طاغية حتى يحلً محلًة طاغية أخر ليسيًّر الأمور بنفس الأنماط الحياتية.

لننظر إلى مايجري في فرنسا حالياً من أحداث. هدف قادة الحراك ليس إسقاط الرئيس الفرنسي، فبقاؤه وخروجه مرهونان بالانتخابات. ما يريدون إزاحته هو ذلك الفكر الرأسمالي النيولبرالي المجنون الذي قاد إلى شقائهم وبؤسهم. المشكلة في ذلك الفكر الثقافي الاقتصادي وليست وجود هذا الشخص أو ذاك.

في بلاد العرب ، عبر سبع سنوات من الحراكات الجماهيرية، حضر الأشخاص والنظم كأهداف للغضب والتغيير، وغاب إلى أبعد الحدود أنماط الحياة العربية المتخلفة التي ترسًّخت عبر العصور وأصبحت ترفض الإنزياح من درب الإنسان العربي.

المطلوب هو إعطاء اهتمام أكبر لنقد أنماط الحياة العربية وتجديدها، وذلك من أجل تجاوزها. هذه ملاحظة لشباب الأمة العربية، ليأخذوها بعين الإعتبار، وهم يخطًّطون لربيع عربي قادم.

اقرأ المزيد