الثلاثاء, أبريل 16, 2024

اخر الاخبار

مقالاتد. على فخروخطوات لتصحيح مجال التواصل الاجتماعى العربى

خطوات لتصحيح مجال التواصل الاجتماعى العربى

بقلم د. علي محمد فخرو

إذا كان الغرب، كما بينًّا في مقال الأسبوع الماضي، بدأ يقلق من تنامي الجوانب والممارسات السلبية الكثيرة في حقل التواصل الاجتماعي والرقمي الالكتروني، مًّما يهًّدد بتشوُّه وتيه نظامه الديموقراطي برمًّته، وإذا كانت سلطاته تفكر في وضع ضوابط قانونية لمعالجة تلك السلبيات، وبشرط أن لاتكون تلك الضوابط على حساب الحريات الفردية والمدنية، فإنّ كل ذلك يستوجب طرح السؤال التالي : وماذا عنًّا نحن في بلاد العرب؟.

في إعتقادي أننا، قبل الإنتقال إلى وضع الضوابط القانونية، وفيها محاذير كثيرة، فاننا سنحتاج قبل الوصول إلى ذلك لأن نحقق خطوات عربية ذاتية بالغة الضرورة:

أولاً، مطلوب من مراكز البحوث والدراسات العربية، المعنية بعلوم الاجتماع والسياسة على الأخص، إجراء بحوث ميدانية وإحصائية لمعرفة نوع ومدى انتشار الممارسات السلبية والعدوانية والأفكاراللاًّعقلانية المتزمتة في فضاء التواصل الالكتروني فيما بين الجماعات والأفراد العرب. إن تلك الدراسات الأكاديمية الموضوعية، بعيداً عن الإنطباعات والظنون، هي وحدها التي يمكن الاعتماد عليها لتشخيص العلل وسوء الإستعمال وانتهازية الإستغلال في ساحة التواصل الاجتماعي العربي.

في الغرب اتخذوا هكذا خطوة، ثم بدأوا بوضع الحلول الملائمة لأوجاع واقعهم التواصلي، وهو مانحتاج أن نفعله نحن إن كنا نريد مواجهة ظاهرة إجتماعية جديدة وخطرة ومعقدة كظاهرة التواصل الالكتروني والرًّقمي.

ثانيا، وهذا هو الأصعب والأكثر أهمية، هناك حاجة ملحًّة لأن تنبري أشكال متعددة، من جماعات الفكر ومؤسسات الثقافة المدنية والمستنيرين غير المتزمًّتين من علماء الدًّين، لجعل مواضيع الفلسفات العقلانية المتحاورة، والإيدبولوجيات السياسية الديموقراطية الإنسانية التقدمية، والفهم الديني المتسامح الممجًّد للعدالة والأخوة البشرية المحبًّة المتعايشة مع الآخرين، والآداب والفنون الرًّافعة لسموًّ الإنسان الأخلاقي والروحي والنفسي، لجعل مثل تلك الثقافة حاضرة بقوة وحيوية في كل ساحات التواصل الإجتماعي العربي.

المطلوب وجود جماعات مدنية معنية بالدفاع عن الثقافة العربية وتجذير كل منتجاتها القيمية العالية في نفوس وعقول الشبابـ وذلك من أجل تحييد الجوانب السلبية في الثقافات القبلية والمذهبية الفرعية المليئة بالتشوًّه والإنغلاق الفكري.

لا نعني بذلك تبنًّي مقال لهذا المؤلًّف أو ذاك أو نقل فقرة من هذا الكتاب أو ذاك، وإنًّما نعني إدماج الأفكار والقيم والمواقف والشعارات الرمزية الكبرى في ساحة كل مناقشة أوخلاف أو صراع تفجرًّه جهات العبث والكذب والنًّفاق لإغواء وتضليل المواطنين والمجتمعات ولتجييش العواطف الطفولية أو الشريرة.

الثقافة هنا يجب أن تردًّ على كل مغالطة وتتحاور مع كل سوء فهم وتوعًّي على الأخص شباب وشابات الأمة بشأن مايطرحه العصر من تبريرات للتغطية على الظلم والإستبداد والفساد ومن محاولات لنشر ثقافة عولمية مادية أنانية استهلاكية مسطًّحة.

ثالثاً، لن يفيد تفعيل دور الثقافة العربية ذاك إلاً إذا امتلك الأفراد العرب، وبالأخص النخبة العربية المنخرطة في الحياة العامة، وسائل الفهم الصحيح والإستعمال الموضوعي المتوازن لثقافة أمتهم وثقافة العصر. هذا موضوع كبير ومعقًّد لايمكن تحقًّقه إلاًّ إذا انخرطت العائلة والمدرسة والجامعة وشتًّى المؤسسات الثقافية والإعلامية في بناء مكوًّناته ووسائله.

هناك حاجة لتعويد الإنسان العربي، منذ طفولته المبكًّرة، لاستعمال المنهجيات العقلانية القائمة على الشكًّ المعقول ولطرح الأسئلة الصحيحة، وممارسة ملكة التحليل والنقًّد والإستقلال الذًّهني والإقتناع التام بأهمية المراجعة التامة والتجاوز والإبداع بالنسبة لكل جانب من جوانب الحياة، وبدون أيًّ استثناء.

إن ذلك سيعني التمييز بين البيانات والمعلومات والمعرفة، مقدار موضوعية وصدقية وعلمية وفائدة كل منهم والمرجعيات التي يستند إليها.

إن ذلك سيعني التفريق بين الدًّعاية والإعلان وخلط الأوراق والتلاعب بالألفاظ وبين الواقع الفعلي.

إن ذلك سيعني معرفة نواقص الإحصائيات والحذر الدائم من ادًّعاءات بعض العلوم، وعلى الأخص الإقتصادية والاجتماعية، بالنًّقاء العلمي.

إن ذلك سيعني القدرة والشجاعة على تجنُّب التبنًّي للمتخلًّف والأسطوري في الثقافة العربية والعالمية وعلى التمسًّك بعناد للجونب الإنسانية والقيمية العادلة في الثقافات.

إن ذلك سيعني عدم الشعور بالدونية أمام أية ثقافة أو حضارة تدًّعي لنفسها المركزية والتفوُّق وحقًّ الهيمنة على ثقافات وحضارات الآخرين.

إن ذلك سيعني التفريق بين الغوغائية والديماغوجية وبين الصًّوت العالي النضالي المواجه للظلم وامتهان وتسخير ذوي الحاجة والفقراء والمهمًّشين.

يستطيع الإنسان أن يدرك أهمية ماندعوا إليه من مقدار حجم المحتوى الرقمي والتواصلي في فضاءات التواصل العربي فيما بين عامي 1995 و2012 فالنصوص بلغت حوالي 112 مليون نص، ومن المؤكًد أنها زادت بكميات هائلة بعد تفجّر الحراكات الثورية العربية منذ 8 سنوات وبعد إدخالها من قبل أعداء الأمة في المتاهات والصًّراعات والجنون.

موضوع التواصل الاجتماعي والرقمي مرشًّح لاكتساح العالم، ومنها الوطن العربي. ولذا أصبح فهم تلك القفزة المركًّبة واستعمال ادواتها استعمالاً صحيحاً وضبط مسارها، لإبعادها عن الشًّطط والإستغلال النفعي الانتهازي، ضرورة قومية عروبية، فهي أولاً وأخيراً تعتمد على اللغة العربية والتراث العربي والثقافة العربية، وبالتالي فهي مشكلة عروبية قومية بامتياز.

 

اقرأ المزيد