الجمعة, أبريل 19, 2024

اخر الاخبار

تحليلاتجنرالات البنتاجون وراء تراجع ترامب عن حرب ضد إيران

جنرالات البنتاجون وراء تراجع ترامب عن حرب ضد إيران

واشنطن: محمد دلبح
عكست وسائل الإعلام الأمربكية ما جاء في خطاب الرئيس دونالد ترامب يوم الأربعاء بأنه استهدف تخفيف التوتر الذي رأى فيه الكثيرون بعد اغتيال الولايات المتحدة للقائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، وقصف إيران بالصواريخ البالستية قاعدتين عسكريتين أميركيتين في العراق، أنه يضع العالم على حافة حرب كارثية.

فبينما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن “ترامب تراجع عن مزيد من الصراع العسكري مع إيران” فإن شبكة التلفزيون الأمريكية “سي إن إن” ذكرت أن ترامب فضل عدم المواجهة مع إيران، كما أعربت وسائل إعلام أخرى وشخصيات سياسية عن الارتياح إزاء سياسة عدم التصعيد، وأن الحديث عن التهديدات بالحرب قد تراجع.

غير أن المتابع لسياسة الولايات المتحدة الخارجية يصل إلى استنتاج واحد أن تراجعها عن التهديد بالحرب والإدعاء أن واشنطن ترغب بسياسة الحوار مع إيران وتمنياته لها بمستقبل عظيم يفتقد إلى الصدقية، إذ أن التهديد بالحرب ضد إيران بدأ مع إلغاء ترامب للاتفاق النووي الذي أبرمته حكومة سلفه باراك أوباما إلى جانب الدول الأربع الكبرى وألمانيا في عام 2015، وهو تهديد يزداد حدة مع التحريض الذي يمارسه الكيان الصهيوني وبعض دول الخليج العربية المناوئة لإيران.

صحيح أن حربا مباشرة مفتوحة ومدمرة بين الولايات المتحدة وإيران قد جرى استبعادها الآن وربما تأجيلها إلى حين، وهو ما أوضحته رسالة ترامب حين أعلن في مطلع خطابه وبدون أن يوجه التحية للحضور من الصحفيين كما جرت العادة “طالما أنني رئيس الولايات المتحدة فلن يسمح لإيران أبدا امتلاك سلاح نووي.” وهكذا وضع ذريعة رئيسية لهجوم إضافي على إيران.

وقد ظهر وهو محاط برجاله من السياسيين والعسكر رجلا يكافح للحفاظ على السيطرة على نفسه. كان أحمر الوجه ويتنفس بشدة. مما يشير إلى أن نقاشا ومحاججة قوية سبقت ظهوره وربما كانت استغرقت وقتا عقب القصف الإيراني إلى الحد الذي أظهر أن ترامب ومساعديه في وضع مرتبك دفع البيت الأبيض إلى الإعلان عن تأجيل كلمة ترامب إلى الأمة ليلة الثلاثاء الماضي، خاصة أنه كان وجه عبر تغريداته جملة من التهديدات برد مزلزل ضد إيران متعهداً بضرب إيران “بقوة أكبر من أي وقت مضى”.

وتوصيله عبر تويتر “إخطارًا إلى الكونجرس الأمريكي بأنه إذا قامت إيران بمهاجمة أي شخص أو هدف أمربكي ، فإن الولايات المتحدة سوف ترد بسرعة وبشكل كامل، وربما بطريقة غير متناسبة”.

اللافت للنظر أن خطاب ترامب لم يأت بجديد فلم يكن أكثر من إعادة تدوير لما قاله في خطب وتغريدات سابقة ضد إيران والجنرال سليماني ونشر مزاعم لتشويه سمعتهما وصورتهما.

التبريرات التي قدمها ترامب ومساعدوه لاغتيال سليماني لم تقنع ليس الديمقراطيين في الكونجرس فحسب، بل بعض زعماء الجمهوريين أيضا حيث أعلن العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ مايك لي، عقب جلسة مغلقة تحدث فيها وزيري الخارجية والدفاع ومديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إي) يوم الأربعاء حول قرار ترامب باغتيال سليماني أن ما قدموه لا يقنع أحدا واصفا الإيجاز بأنه “ربما أسوأ إحاطة إعلامية رأيتها طوال فترة سنواتي التسع في مجلس الشيوخ” ، وقال إنه غير راض عن “التبرير القانوني والوقائعي والأخلاقي” للهجوم.

وأضاف إنه شعر بالدهشة من أن مسؤولي الإدارة الحاضرين حذروا حتى من مناقشة التشريعات لتقييد سلطة ترامب في مهاجمة إيران ، ووصفوها أنها مقترحات “غير أمريكية” و “غير دستورية”. واضاف “لقد اضطروا إلى المغادرة بعد 75 دقيقة بعد قيامهم بإخبارنا بأننا بحاجة إلى أن نكون فتيانا وفتيات جيدين وأن نسايرهم وأن لا نناقش هذا الأمر علنًا. إنني أجد ذلك جنونا بالكامل”.

وأوضح لي في مقابلة مع إذاعة “إن بي آر” يوم الخميس ان غضبه “لم يكن حول مقتل سليماني” بل كان “حول إمكانية القيام بعمل عسكري في المستقبل ضد إيران”.

ديموقراطيو الكونجرس أعتبروا أن اغتيال سليماني يعرض الوجود الأمريكي في العراق – وهو حسب اعتقادهم أمر حيوي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية – للخطر ، وأن المواجهة من نوع ما ما زالت تلوح في الأفق.

وقال العضو الديمقراطي في مجلس النواب توم مالينوفسكي إن “السؤال بالنسبة لي هو: هل نحن في وضع أفضل أم أننا في وضع أسوأ؟ لا أرى أي دليل، من حيث مصلحتنا للأمن القومي، على أننا في وضع أفضل نتيجة لذلك. لا تزال إيران منخرطة في جميع الأنشطة الخبيثة التي كانت تمارسها عندما كان سليماني على قيد الحياة، لكنها قد تكون اليوم أقرب إلى هدفها المركزي المتمثل في طردنا من العراق والشرق الأوسط”.

من الواضح أن الهجوم الإيراني لم يكن يهدف إلى إلحاق خسائر بشرية. وهو ما أكدته تقارير أمريكية يوم الأربعاء بأن البنتاجون يعتقد أن إيران تجنبت عن عمد إلحاق الضرر بالقوات الأمريكية، لكن واشنطن لا تنظر إلى هذا كسبب “للتراجع” ، ولكن كفرصة تكتيكية لمتابعة أهدافها الإستراتيجية. طبقا لكافة التقارير والتصريحات التي صدرت سواء عن مسؤولين أمريكيين أو إيرانيين لم تشر إلى وقوع إصابات بين الجنود الأمريكيين الأمر الذي قلل من الضغط على ترامب لإصدار أوامر بشن هجوم مضاد فوري في ظل ظروف لم تكن فيها الولايات المتحدة مستعدة للحرب الشاملة. إذ لم يكن لدى الجيش الأمريكي الوقت الكافي للقيام بعملية إعادة انتشار هجومية للقوات.

غير أن رئيس الأركان الجنرال مارك ميلي قال عقب خطاب ترامب إن المكان الذي انفجرت فيه الصواريخ داخل محيط القاعدة يوحي بأنها كانت تهدف إلى قتل أفراد أمربكيين موضحا “كانت نقاط التأثير قريبة بدرجة كافية من الأفراد والمعدات، وهكذا دواليك وما إلى ذلك، أعتقد، بناءً على ما رأيته وما أعرفه، أنه كان الغرض منها التسبب في أضرار هيكلية، وتدمير المركبات والمعدات والطائرات، وقتل الأفراد”.

ويذكر أن وزير الدفاع مارك إسبر عمد إلى إحداث تغييرات في البنتاحون في مسعى لوجود معترضين على سياسات ترامب من الناحية العسكرية. وقد عمد جنرلات البنتاجون طوال الأسبوع الماضي الذي حفل بتهديدات ترامب ضد إيران إلى التغطية على تصريحاته التي يصدرها دونما تشاور مع طاقم الأمن القومي الأمريكي.

ونفذ بعضهم أمر ترامب باغتيال سليماني، غير أنهم اضطروا إلى تقديم النصح إلى ترامب بضرورة التروي وعدم الرد الفوري على قصف قواعدهم في العراق. وهذا ما يعزى فشل ترامب في تنفيذ تهديداته العسكرية ضد إيران إلى احتمال أن يكون رؤساء الأركان المشتركة للقوات الأمريكية وجنرلات البنتاجون قد حذروه من أن أي عمل سريع قد يؤدي إلى كارثة عسكرية. إذ يحتاج البنتاجون إلى وقت لإعداد الدفاع عن نحو 80 ألف جندي أمريكي منتشرين على الحدود الإيرانية من أفغانستان إلى تركيا، إلى جانب عشرات الآلاف من المقاولين العسكريين وأفراد البحرية المتمركزين في المنطقة.

يعلم الجيش أن الجولة المقبلة من الهجمات الأمريكية سوف يتم الرد عليها على الأرجح بمطر من الصواريخ الإيرانية على القواعد الأمريكية والمطارات والسفن الحربية وحاملات الطائرات.

في الفترة التي سبقت حرب الولايات المتحدة ضد العراق في عامي 1990 و 2003، احتاجت واشنطن لعدة أشهر للتحضير ضد عدو أقل قوة بكثير. فهناك أيضًا اعتبارات سياسية من قبل مخططي الحرب في واشنطن. هناك حاجة إلى مزيد من الوقت لتطوير دعاية مؤيدة للحرب تضع الأمريكيين في مناخ نفسي بمساعدة وسائل الإعلام التجارية الكبيرة لتقبل مستويات من العنف غير معروفة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وقدمت الاحتجاجات الجماهيرية في إيران وفي المنطقة، والتي أثارها مقتل سليماني، مؤشراً على الاضطرابات التي ستطلقها حرب أمريكية شاملة، كان العنصران الوحيدان في خطاب ترامب هو تعهده بفرض “عقوبات اقتصادية إضافية معاقبة” لم يوضح طبيعتها، ومطالبه بأن “يصبح حلف الناتو أكثر انخراطًا في الشرق الأوسط”.

وهو الأمر الذي يذكر بمحاولة الولايات المتحدة في عهد جورج بوش الابن في الإعداد للعدوان على العراق وغزوه في عام 2003 بجمع ما سمي “تحالف الراغبين” ويبدو ان لدى ترامب كل الأسباب للاعتقاد بأنه يستطيع ضم القوى الأوروبية ذات الماضي الاستعماري في استعداداتها للحرب ضد إيران، بالنظر إلى الردود التي صدرت عن كبار مسؤوليها على اغتيال سليماني حيث ركزت كل شجبها ضد إيران ولم تحمل الولايات المتحدة اية مسؤولية عما فعلت أو ما سينجم عنها من عواقب.

اقرأ المزيد