خلُصَت دراسة حديثة إلى أن أكثر من ملياري طفل وبالغ من مجموع سكان العالم يعانون من مشكلات صحية ناتجة عن الوزن الزائد أو البدانة، وأن نسبة الوفيات نتيجة هذه الحالات الصحية تشهد ارتفاعاً مستمراً.
وقال الباحثون إن حالات الوفاة هذه تحدث على الرغم من أن المصابين بها، عملياً، لا يُصنّفون ضمن البُدناء. فمن أصل 4 ملايين حالة وفاة نتجت عن الوزن الزائد في العام 2015، وقع نحو 40% بين أشخاص كان مؤشر كتلة الجسم لديهم تحت حد “البدانة”.
ووفقاً لنتائج الدراسة التي نشرها باحثون متخصصون في مجلة “نيو إنغلاند الطبية” اليوم، فإن هذه الأزمة تُعدُّ “أزمة صحة عامة عالمية مُقلقة ومتنامية”. فقد ذكرت الدراسة أن 19 مليون مصري يعانون من السمنة المفرطة (البدانة)، ما يشكل نسبة 35% من السكان البالغين؛ وهي أعلى نسبة في العالم. علاوةً على ذلك، فإن 3.6 مليون، أو 10.2% من عدد الأطفال المصريين، يعانون من”البدانة”.
وأوضح د.علي مقداد، مدير مبادرات الشرق الأوسط في معهد مقاييس الصحة والتقييم في جامعة واشنطن، وأحد الباحثين الذين وضعوا هذه الدراسة، أن”البدانة تشكل تهديداً خطيراً للصحة العامة في مصر؛ إذ أن أكثر من واحد من كل 3 مصريين يعانون من البدانة، وهو أعلى معدل في العالم. ومن دون شك، فإن ذلك يتسبب بمخاطر حقيقية قد تؤدي إلى الإصابة بمرض السكري، وبأمراض القلب، وبحالات متنوعة من مرض السرطان، وهي أزمة صحية محتملة الحدوث وينبغي التعامل معها والتصدي لها بجدية وعلى وجه السرعة”.
من جانبه، قال د.كريستوفر موراي، مدير معهد مقاييس الصحة والتقييم في جامعة واشنطن: “إن الأشخاص الذين لا يأخذون مشكلة زيادة أوزانهم على محمل الجد يتحملون المسؤولية كاملةً عن ذلك؛ فهم يعرضون أنفسهم لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وأمراض والسكري، والسرطان، وغير ذلك من الظروف والحالات التي تشكل خطراً حقيقياً على حياتهم. إن القرارات التي يتخذها كثيرون مع بداية كل عام لإنقاص الوزن يجب أن تتحول من قرارات غير جادة إلى التزام دائم وأسلوب حياة يستمر طيلة العام وتجنب زيادة الوزن فى المستقبل”.
وقد نُشرت هذه الدراسة، التي غطت 195 دولة ومنطقة في الفترة ما بين العام 1980 والعام 2015، خلال “منتدى ستوكهولم للأغذية”، الذي يهدف إلى إيجاد نظام غذائي أكثر صحة وسلامة واستدامة.
وتستند نتائج الدراسة إلى البيانات التي تضمنتها أحدث دراسة حول “العبء العالمي للأمراض”؛ وهو جهدٌ علميٌّ منهجيٌّ هدفه تحديد حجم الخسائر الصحية الناتج عن مُجمل الأمراض والإصابات الرئيسة وعوامل الخطر بحسب العمر، والجنس، وعدد السكان. وقد أجريت دراسة “العبء العالمي للأمراض” على أكثر من 2300 متعاون في 133 بلداً، وشملت ما يزيد على 300 نوع من الأمراض والإصابات.
وتتضمن هذه الدراسة تحليلات لدراسات وبحوث أخرى حول الآثار السلبية للوزن الزائد، وإمكان وجود صلة بين ارتفاع مؤشر كتلة الجسم وسرطانات المريء والقولون والمستقيم والكبد والمرارة والقناة الصفراوية والبنكرياس والثدي والرحم والمبيض والكلى والغدة الدرقية، إضافة إلى سرطان الدم. ووفقاً للدكتور موراي، يلتزم “معهد مقاييس الصحة والتقييم” بإجراء دراسات مستفيضة ومتعمقة حول الآثار المترتبة على البدانة والوزن الزائد من خلال شراكة جديدة مع الأمم المتحدة وعبر طرق عدة أخرى.
وخلال المنتدى، كشف د.موراي عن اتفاقية جديدة بين “معهد مقاييس الصحة والتقييم” و”منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة” (الفاو) نصّت على تبادل البيانات والمعارف والخبرات بهدف رفع مستوى المعرفة العامة والفهم الجماعي العالمي للأسباب التي تقف وراء “الوباء العالمي الحالي للأمراض” المرتبطة بزيادة وزن الجسم.
وتتمثل هذه الاتفاقية في مبادرة “عقدٌ للعمل من أجل التغذية” التابعة للأمم المتحدة، وتغطي الفترة ما بين 2016-2025، وتهدف إلى القضاء على الجوع ووضع حد لجميع أشكال سوء التغذية (نقص التغذية، وحالات نقص المغذيات الدقيقة، والوزن الزائد أو البدانة)، والحد من عبء الأمراض غير المعدية ذات الصلة بالنظام الغذائي في جميع الفئات العمرية.
في العام 2015، ووفقاً لنتائج الدراسة، أثر الوزن الزائد على 2.2 مليار طفل وبالغ في جميع أنحاء العالم؛ أي ما يعادل 30% من إجمالي عدد السكان. وهذا الرقم يشمل نحو 108 ملايين طفل وأكثر من 600 مليون بالغ ممن يزيد مؤشر كتلة الجسم لديهم على المقياس 30؛ وهي عتبة البدانة. وقد تضاعف معدل انتشار البدانة منذ العام 1980 في أكثر من 70 بلداً، وشهد ارتفاعاً مستمراً في معظم الدول الأخرى. وعلى الرغم من أن معدل انتشار البدانة بين الأطفال كان أقل من المعدل نفسه في أوساط البالغين، إلا أن معدل الزيادة في البدانة لدى الأطفال في بلدان كثيرة تجاوز مثيله لدى البالغين.
ومن بين البلدان العشرين الأكثر سكاناً، تصدّرت الولايات المتحدة دول العالم بأعلى مستوى للبدانة بين الأطفال والشباب البالغين بنسبة 13%؛ بينما تصدرت مصر قائمة البدانة لدى البالغين بنحو 35%. وكانت أقل المعدلات في بنغلاديش وفيتنام، على التوالي، بنسبة 1%. وبلغ عدد الأطفال المصابين بالبدانة في الصين 15.3 مليون طفل، تليها الهند بعدد 14.4 مليون؛ وهو الأعلى عالمياً. بينما بلغ عدد البالغين المصابين بالبدانة في الولايات المتحدة 79.4 مليون، تليها الصين بعدد 57.3 مليون؛ وكان الأعلى عالمياً في العام 2015.
وقال الدكتور أشكان أفشين، وهو مؤلف رئيسي للدراسة، وأستاذ مساعد في معهد مقاييس الصحة والتقييم: “يعد الوزن الزائد إحدى أبرز مشكلات الصحة العامة تحدياً وصعوبةً في عصرنا الحالي، إذ يؤثر في شخص واحد تقريباً من بين ثلاثة أشخاص. وخلال العقد الماضي، جرى تقويم العديد من الأنشطة والمبادرات ذات العلاقة، إلا أنه لم تكن هناك أدلة قوية وكافية حول فعاليتها على المدى الطويل. وخلال السنوات العشر المقبلة، سنعمل بشكل وثيق مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بهدف رصد وتقويم التقدم الذي تحرزه البلدان في الحد من مشكلة الوزن الزائد والبدانة، كما أننا سنوفر البيانات والمعلومات والنتائج للعلماء وصُناع السياسات وأصحاب المصلحة الآخرين الذين يسعون إلى وضع استراتيجيات تستند إلى أدلة وافية تفيد في معالجة هذه المشكلة والتصدي لها”.
وتعرّف هذه الدراسة “البدانة” بأنها مؤشر كتلة الجسم حين يبلغ المقياس 30 أو أكثر، وهو ما يتم احتسابه وفقاً للعلاقة بين طول الشخص ووزنه. أما “الوزن الزائد” فيكون حين يتراوح مقياس مؤشر كتلة الجسم بين 25 و 30. ويمثل مؤشر كتلة الجسم طريقة لقياس نسبة العضلات والدهون والعظام في جسم الإنسان.
وعلى سبيل المثال؛ الشخص الذي يبلغ طوله 175 سم ويزن 72.6 كجم يبلغ مقياس مؤشر كتلة الجسم لديه 23.6. هذا الشخص نفسه لو بلغ وزنه نحو 80 كجم يكون مقياس مؤشر كتلة الجسم لديه 25.8، وهذه مجرد زيادة طفيفة في الوزن. أما إذا بلغ وزن الشخص أكثر من 90 كجم فسيكون مقياس مؤشر كتلة الجسم لديه 29.9؛ أي يكون على عتبة البدانة.
الان