خلال الأشهر الأخيرة، برزت 5 تطبيقات للبث المباشر والدردشة في السوق المصري هي: Poppo Live – Party Star – Soulchill—Timo— Soyo تعمل جميعها بشكل غير قانوني ومن دون تراخيص أو كيانات رسمية.
وقد تحولت هذه التطبيقات إلى منصات تحمل في طياتها مخاطر متعددة، تبدأ من نشر محتوى غير أخلاقي يتعارض مع القيم الأسرية والمجتمعية، ولا تنتهي عند شبهات غسيل الأموال وتحويلات مالية مشبوهة عابرة للحدود.
وتشير المتابعات إلى أن هذه التطبيقات توفر غرفًا مغلقة للبث المباشر والدردشة، تجذب آلاف المستخدمين يوميًا، حيث يتم تقديم محتوى يوصف بأنه “ترفيهي واجتماعي”، إلا أن الواقع يكشف عن مخالفات واضحة تتمثل في ممارسات خادشة للحياء وعلاقات مشبوهة، وهو ما يتعارض مع العادات والتقاليد المصرية.
وتزايدت الإعلانات الترويجية على وسائل التواصل الاجتماعي لهذه التطبيقات، حيث تعرض مقاطع فيديو صريحة تحمل رسائل مباشرة عن طبيعة ما تقدمه، بما يثير مخاوف واسعة من أثرها على الشباب والمراهقين الذين يمثلون الفئة الأكثر استخدامًا للهواتف الذكية.
وهذا الانتشار تزامن مع حملات موسعة أطلقتها وزارة الداخلية ضد بعض مشاهير “تيك توك” الذين تورطوا في تقديم محتوى غير لائق، تضمن مشاهد خادشة وألفاظًا مسيئة.
وأسفرت هذه الحملات عن القبض على عدد منهم وتوجيه اتهامات خطيرة إليهم، من بينها غسيل الأموال، فقد تبين أن بعضهم تلقى تحويلات مالية من الخارج وصلت في حالات محددة إلى أكثر من 100 مليون جنيه، دون مستندات قانونية أو مسار مصرفي واضح.
وهذه الوقائع فتحت الباب أمام تساؤلات جادة حول العلاقة بين تطبيقات البث المباشر، التي تعمل خارج الأطر القانونية، وبين شبكات غسيل الأموال العالمية، خاصة مع وجود تحويلات مالية ضخمة يصعب تتبعها.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن أنشطة هذه التطبيقات لا تقتصر على استقطاب المستخدمين العاديين، بل يتم تجنيد فتيات وشباب من خلال وكالات “كاستينج” وشركات سياحة تعمل كواجهة لهذه الأعمال، وتُبرم عقود وهمية لإقناع المستهدفين بالانضمام إلى غرف البث مقابل عوائد مالية مرتفعة، مستغلة ظروفهم الاقتصادية الصعبة ورغبتهم في تحقيق أرباح سريعة.
وتوضح المصادر أن الأدوار توزع بدقة، حيث يتولى “المديرون” تنظيم الجلسات داخل الغرف المغلقة، فيما تقدم “المضيفات” محتوى يوصف بالترفيهي لكنه في كثير من الأحيان ينزلق إلى ممارسات منافية للأداب العامة ومخالفة للقانون والأعراف الأخلاقية.
وكشفت مصادر مطلعة أن هذه التطبيقات الثلاثة تعمل من دون تسجيل شركات رسمية أو الحصول على تراخيص تجارية وضريبية، ما يعني أن الدولة محرومة من حقوقها المالية والقانونية، ويشمل ذلك الضرائب والرسوم التنظيمية التي تفرضها القوانين المصرية على أي نشاط تجاري أو تقني يعمل داخل حدودها، ويمثل ذلك خرقًا صريحًا للقوانين ويضع هذه التطبيقات في خانة الأنشطة غير المشروعة.
المصادر ذاتها أكدت أن جميع التعاملات المالية الخاصة بهذه التطبيقات تتم نقدًا، بعيدًا عن أعين الأجهزة المصرفية والرقابية، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام عمليات غسيل الأموال، وتشير المعلومات إلى أن بعض الأثرياء، خصوصًا من منطقة الخليج، يقومون بإرسال “هدايا رقمية” خلال جلسات البث، تصل قيمتها في بعض الأحيان إلى عشرات الآلاف من الجنيهات في المرة الواحدة.
ويتم تحويل هذه الهدايا إلى مبالغ مالية حقيقية تدفع نقدًا للمشاركات، بعد خصم عمولات تتراوح بين 30% و50% لصالح الوكالات الوسيطة، الأمر الذي يزيد من تعقيد مسار الأموال ويصعب تتبعها.
ولا تتوقف خطورة هذه التطبيقات عند البث المرئي، إذ توفر غرفًا صوتية خاصة تتيح للمستخدمين التحدث بحرية تامة دون الحاجة إلى الكشف عن هويتهم الحقيقية، وهو ما يعزز مناخ الفوضى الرقمية ويفتح الباب أمام أنشطة غير أخلاقية يصعب مراقبتها أو تتبعها، بما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القيمي.
ومن جانبه يرى أحمد الشيخ عضومجلس إدارة شعبة صحفيي الاتصالات بنقابة الصحفيين أن استمرار مثل هذه التطبيقات دون رقابة أو تنظيم يعرض المجتمع لمخاطر جمة، أبرزها تآكل القيم الأسرية وتشويه صورة العلاقات الاجتماعية، كما أن شبهات غسيل الأموال المرتبطة بها قد تؤثر سلبًا على سمعة الاقتصاد المصري، وتفتح الباب أمام تدفقات مالية غير مشروعة تعطل جهود الدولة في ضبط النظام المالي.
وأكد أن هذه الأنشطة، بما تحمله من أرباح غير خاضعة للضرائب، تحرم الدولة من موارد مالية مهمة كان يمكن توجيهها لدعم قطاعات أساسية كالتعليم والصحة.
وتابع “في ظل هذه المعطيات، تبرز الحاجة إلى تدخل سريع من الجهات المختصة، سواء عبر تقنين أنشطة التطبيقات الرقمية أو حظر التطبيقات التي تعمل خارج الإطار القانوني. كما يطالب خبراء بضرورة رفع الوعي المجتمعي بخطورة هذه المنصات، خاصة لدى الشباب، وتكثيف الحملات الإعلامية للتأكيد على مخاطر الانسياق وراء الإغراءات المالية السريعة”.
والقضية لم تغلق بعد، فالمتابعة المستمرة تكشف أن هذه التطبيقات ليست مجرد منصات رقمية للترفيه، بل قد تكون واجهة لأنشطة أكثر تعقيدًا ترتبط بشبكات مالية عابرة للحدود ، من المنتظر أن تسفر التحقيقات الجارية عن مزيد من الحقائق حول الجهات الأجنبية التي تدير هذه المنصات، وآليات استغلالها للفتيات لتحقيق أرباح طائلة، والدور الذي يقوم به الوسطاء في الترويج لها تحت ستار “البث الترفيهي”.