الجمعة, أبريل 26, 2024

اخر الاخبار

مقالاتد. على فخروتجار الحروب اذ يحتفلون بالسلام

تجار الحروب اذ يحتفلون بالسلام

د.علي محمد فخرو

يالعالم لا يتوقًّف فيه اختلاط مشاهد الدراما بمشاهد الكوميديا، فمنذ بضعة أيام تجشًّم قادة سبعين دولة، مع جيش من الحاشية والمساعدين والسائحين المتفرجين، عناء السفر إلى باريس ليحتفلوا بمرور مائة عام على حلول سلام لم يساهموا في صنعه ولا في تثبيته ولا في حمايته.

سلام تبعته حرب عالمية ثانية، فاقت في دمارها وعدد موتاها ماحصدته الحرب الكونية الأولى، ثم تبعت ذلك عشرات الحروب والصًّراعات شبه الكونية والإقليمية والمحلية التي لايزال بعضها معنا إلى يوم احتفالنا الباريسي ذاك.

قمًّة عبثية ذلك الإحتفال هي في وجود عدد من الحاضرين المنافقين ممًّن يساهمون يومياً في تأجيج الحروب والصراعات عبر العالم كلًّه، وعلى الأخص عبر وطننا العربي المستهدف المنكوب، وفي تصنيع وبيع السلاح لكل من يدفع الثمن، دون ضوابط قيمية إنسانية وأخلاقية، وفي تباهي بعضهم المقيت. بأهمية الدور الذي تلعبه صناعة السلاح في اقتصاد بلدانهم، وفي الدًّعم اللا محدود لأبحاث وتطوير تكنولوجيا السلاح ليمتلك كفاءة وفاعلية أكبر في قدراته التدميرية للعمران وللإنسان.

فاذا أضيف إلى ذلك تواطؤ بعضهم مع مؤسسات استخباراتهم لخلق وتدريب وتمويل وتسليح شتًّى أنواع الميليشيات الإرهابية الإجرامية لتدمير هذا البلد أو لزعزعة ذلك النظام أو لاغتيال السياسيين والعلماء والصحفيين والشباب المناضلين الأحرار، أدركنا حجم النًّفاق وتنوُّع الأقنعة وكذب الخطابات في ذلك السيرك الباريسي الرًّافع، زوراً وبهتاناً، لشعار نبيل كشعار السًّلام.

هل حقاً أن تاريخ الإنسانية، منذ التوقيع على سلام 1918 وعبر مائة سنة، يستحق أن يحتفى به؟ أليس ما رآه هذا العالم إبًّان تلك الفترة القصيرة يؤكد ما قاله الفيلسوف كانت عن التاريخ، من أنه “محاكاً من حماقات وغرور وشرور بشرية .. وأن التاريخ ليس سجلاً للحكمة الإنسانية، وأن أي تقدم حصل لا فضل فيه للبشر وإنما لقوانين وخطة الطبيعة التي ينفًّذها البشر”؟.

بل، ويا لسخرية القدر، فان الذي حصل في المائة سنة الماضية يناقض ما قاله الفيلسوف الفرنسي الشهير فولتير من اهمية العقل في التاريخ، إذ لم ير العالم طيلة المائة سنة تلك إلاً عنفوان وبلادات اللاموضوعية، وإلاً جرائم التوحًّش البربري اللاإنساني.

نحن العرب بالذًّات، صدًّقنا بعفوية وبراءة وعود وخطابات الذين وقًّعوا على وثائق ذلك السلام يوم 11 نوفمبر 1918. وإذا بالذين وقًّعوا يطعنوننا في الخاصرة، فيقسًّموا مشرق وطننا العربي عن طريق إتفاق سايس – بيكو الشهير. فلا بريطانيا المنتصرة وفت بوعودها ولا فرنسا الخارجة من ويلات الهزيمة تعلًمت الدرس.

وما أن مرًت بضع سنوات على تلك الإتفاقية التجزيئية الاستعمارية المشؤومة حتى فاجأنا نفس غرب ” السلام ” بزرع كيان استعماري استئصالي صهيوني في فلسطين العربية المحتلًّة، تعويضاً لليهود عن جرائم ارتكبها بحقً بعضهم ذات الغرب الأوروبي الذي دشًن قرن ذلك السلام المزعوم.

ولم يقف الأمر عند ذلك الحد فقد نصًّب الغرب نفسه كمانع لأية وحدة عربية من أي نوع كان وفي أي مكان، وكان عرًّاب لكل مصالحة أو تطبيع أو سلام مع الكيان الصهيوني الذي ابتلع أكثر من خمس وثمانين في المئة من أرض فلسطين العربية التاريخية ويحتل الجولان وأجزاء من جنوب لبنان، وأخيراً أصبح الغرب، ممثلاً بأميركا، أداة من أدوات إنها القضية الفلسطينية، وذلك على حساب أربعة عشر مليوناً من الفلسطينببن.

كما أن دماء الضحايا تقطر من يد هذا الغرب بتدخلاته ومؤمراته في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرهم، وبألاعيب استخباراته وتناغم خططها مع ألاعيب وخطط مجموعات من الجهاديين المجانين المحسوبين، كذباً وتلفيقاً، على دين الإسلام.

فهل بعد كل ذلك يراد لنا أن نرحًب ونصفقً ونهلًل لاجتماع السلام في باريس، بعد أن خبر العالم نتائج ومصائب سلام 1918؟ وبعد أن اكتوينا، نحن العرب، بنيران بعض دول الغرب التي حرقت الأخضر واليابس في أرضنا ومنعت وحدة أمتنا ونهوضنا من تخلفنا التاريخي بشتًى الحيل والتبريرات؟,

ما يحتاجه هذا العالم ليست تلك الشعلة التي تحترق ليلاً ونهاراً فوق قبر الجندي المجهول، تحت قوس النًصر، في شارع الشانزلزيه الجميل الأنيق.

ما يحتاجه العالم هو إشعال شعلة المشاعر الإنسانية العادلة الخيًّرة الأخلاقية في قلوب المسؤولين والشعوب، وعلى الأخص مسؤولي وشعوب دول القوة والجاه والغنى الغربية الماسكة برقاب العباد، والتي لا تشبع ولا ترتوي من ثروات الآخرين الفقراء الضًّعاف المغلوبين على أمرهم.

الكثيرون من الذين وقفوا في باريس ليرفعوا راية السلام يحتاجون أولاً إنزال رايات الحروب التي ترفرف فوق رؤوسهم. كفى نفاقاً وتدليساً ولبس أقنعة وانتهازية سياسية، فقد اتخموا العالم بتلك الرذائل وأوصلوه إلى مراحل الغثيان.

اقرأ المزيد