الخميس, أبريل 25, 2024

اخر الاخبار

مقالاتد.حسام بدراوىديمقراطيه الجيل الرابع

ديمقراطيه الجيل الرابع

 بقلم: د.حسام بدراوى

إننا إذا رجعنا إلى تاريخ الثورات الاجتماعية أو السياسية، لا نستطيع أن نرى حركة يصدق عليها أنها حركة «حقوق إنسانية» بمعنى من معانى هذه العبارة كما نفهمها فى العصر الحاضر. فربما كان بينها ما يسمى بحركات الديمقراطية فى اليونان، التى فسر فيها استخدام كلمة ديمقراطية على أنها من حركات الشعوب والحقوق الإنسانية ولكنها ليست كذلك حتى فى دلالتها اللفظية، فكما يقول الأستاذ العقاد: «إن النظام الديمقراطى فى اليونان كان يطلق على الحكومة التى تشترك القبائل فى انتخابها، ولم يكن اشتراكها فى الانتخاب اعترافا بحق إنسانى يتساوى فيه أحاد الناس، وإنما كان اعترافا بالقبيلة واتقاء لمعارضتها عن العمل فى الجيش».

وقد توالت على اليونان والرومان أنواع من الحكومات الديمقراطية لم يكن لها من مبدأ تقوم عليه غير أنه خطط عملية لدرء الفتنة واستجلاب الولاء من المجندين للجيش والأسطول من أبناء القبائل وأصحاب الصناعات.

وسوف أسمى ذلك مجازا ديمقراطية الجيل الأول.

أما الحقوق الإنسانية والانتخابية التى نشأت فى الديمقراطية الغربية فى أواسط القرن العشرين، فقد تدرجت فى التعميم على حسب الحاجة إلى الناخبين، فنالها العمال فى البلاد الصناعية قبل أن ينالها الزارع، ونالتها المرأة بعد أن أصبحت عاملة فى المصانع تنوب عن الجنود فى الحرب، ونالها الملونون فى الولايات المتحدة بعد اضطرار الدولة إلى خدماتهم فى المجتمع وفى الجيوش على التدريج فى الحربين العالميتين، ونالتها الشعوب المختلفة نتيجة للضغوط المتبادلة والصراعات بين الطبقات للوصول إلى صيغة سياسية معينة يرتضيها كل الأطراف.

وسوف أسمى ذلك مجازا ديمقراطية الجيل الثانى.

أما الحقوق الإنسانية المعترف بها من ناحية المبدأ وليست خططاً عملية يوجبها تكافؤ القوى بين الطوائف وجماهير الناخبين، فتمثلها ديمقراطية إنسانية لا يمكن تصورها دون عناصر المساواة، والمسئولية الفردية، وقيام الحكم على الشورى وعلى دساتير معلومة من الحدود والتبعات… وهى العناصر التى ننادى بها كمبادئ عامة وليست اضطرارا لواقع انتخابى أو خدمة فى الجيوش، ولكنها تمثل إيمانا حقيقيا بكيفية العدالة فى الحكم اعترافا بحقوق المواطنين، بغض النظر عن مستواهم التعليمى أو موقعهم الاجتماعى.

وسأسمى ذلك مجازا ديمقراطية الجيل الثالث.

ولكنى الآن وأنا أنظر إلى الديمقراطية الغربية، وما يطبق فى دول العالم تحت مسمى الديمقراطية، أَجِدُ كثيرا من اختلاط المفاهيم، وتجبر السلطات الممنوحة للحكومات، وأحيانا الظلم الاجتماعى لطبقات من الشعوب التى لا تستطيع بمقومات معارفها وقدراتها أن تحصل على تكافؤ حقيقى للفرص المتاحة كما ندعى ونقول.

فالأكثر تعليما، والأكثر ثراء، والأكثر انفتاحا على العالم، يحصل على الفرصة، وتزداد الفجوة بين المواطنين تدريجيا وتضيع فى كثير من الأحيان فرص التنمية الإنسانية التى نبتغيها من الحكم الرشيد.

دفعنى ذلك إلى طرح على صفحتى فى السوشيال ميديا أقول فيه «كيف يتحكم ويظلم من نختاره فيمن اختاره وهو يعلم أن من يختاره يستطيع تغيير اختياره وأنه رهن إرادة من اختاره؟ وكيف يستهين من تدفع لهم رواتبهم ويدينون بموقعهم بمن يتكلف قيمتها ويعطيهم وظائفهم إلا لو كان النظام غير كفء ولا يعبر عن حقيقة توازن القوى؟.

الشعوب أقوى من حكامها دون الحاجة لثورات أو مظاهرات إذا استخدموا حقوقهم فى الاختيار وقت الاختيار».

وجاءتنى عشرات الردود والمداخلات، أشارككم بعضها وأطرح على القارئ التواصل وإبداء الرأى، لعلنا نصل إلى ديمقراطية الجيل الرابع كما أسميها مجازًا.



فى مقالتى الأولى حول تطور الديمقراطية فى تاريخ البشرية، ومبادرتى حول إيجاد شكل جديد لممارسة مشاركة الشعوب فى حكم نفسها، فى عصر تغيرت فيه مدخلات الحياة والعمل السياسى، وصلنا إلى أن جيل الديمقراطية الثالث الذى يحترم قيم الحرية، والإنسانية، ويمارس الحوكمة فى إدارة البلاد، لم ينجح أيضا فى تحقيق أهدافه.

إن أمامنا أربع سنوات، ينتهى بعدها حكم الرئيس السيسى فى عام 2022، وتنتهى الفترة الانتقالية التى يقودها البطل الذى نفذ إرادة الشعب وأنقذ فيها جيش مصر البلاد من حكم فاشستى دينى كان سيطبق على رقاب المصريين وعقولهم. ومهمة الحكم الحاليّة أن يؤسس لاستدامة طريق التنمية لمصر العظيمة، ليس اعتمادا على فرد ولكن على نظام مستدام، وتداول للسلطة بإرادة حرة للناخبين، واحترام لتوازن القوى داخل المجتمع المصرى، مع عدم السماح للدولة بنفاق الغوغاء والمصالح الفئوية على حساب رؤية المستقبل، أو لديكتاتورية أى طبقة من الطبقات الاجتماعية.

بعد نشر المقالة فى «المصرى اليوم»، جاءتنى عشرات الرسائل. وكما وعدت، فقبل الانتقال إلى صياغة المبادرة فى شكلها النهائى حول ديمقراطية الجيل الرابع، بهدف الحكم الرشيد، أطرح على القارئ بعض المداخلات، التى تعبر، بصيغ مختلفة عن الآراء.

أغلب المداخلات تكلمت عن التعليم والمعرفة والتوعية كأساس لتطبيق الديمقراطية، وهو تشخيص واقع وليس طرحا لحلول. الكثيرون تكلموا على التوازن بين السلطات لمنع ديكتاتورية أى طبقة حاكمة، وهو الأمر الذى يقره الدستور ولكنه لا يحدث فى أغلب الدول النامية الفقيرة، أو كلها لأن الانتخابات الحرة لا تأتى فى هذه الدول بأفضل العناصر القادرة على مراقبة السلطة التنفيذية بعلم وموضوعية بلا هدم ولا فساد.

الأغلب تكلموا عن تضمين المبادرة حماية الدستور من تعديل مواد تحديد مدة الرئاسة، لأن تداول السلطة حتمى لحماية الديمقراطية. والعديدون كتبوا عن أهمية القضاء المستقل والعدالة الناجزة فى تثبيت أركان نظام الدولة بلا انتقائية ولا تبعية.

واحدة من المداخلات قالت:

«الواقع أن العامة، والجهلة، سيأتون بمجالس مشابهة لهم فى الفكر وينتهى الأمر بالبلد إلى الفوضى، ومنافقة العموم، بلا رؤية ولا التزام بقواعد الحوكمة. ولعلك رأيت ما حدث بعد ٢٠١١ عندما تحكم العامة فى الحياة وتم تعيين أكثر من مليون موظف فى الحكومة إرضاء للمظاهرات بلا احتياج لهم. المأساة أن الطبقة المتعلمة الإليت كما يسمونهم، يتغلغل الفساد فيهم عندما يتحكمون. مش عارف الحل إيه، ولعل مبادرتك تخرج لنا بحلول عملية».

القليلون قدموا أسلوبا للتنفيذ، وليس مجرد ينبغيات نظرية، مما أوقر فى وجدانى أهمية استمرار الحوار حتى يتطابق ما نقول مع ما نفعل، مثل عودة نظام الغرفتين فى البرلمان حتى نضمن وجود المعرفة والحكمة فى واحدة منهما، وتتوازن القوى السياسية فى الرقابة والتشريع. والبعض عرض لأنظمة انتخابية مختلفة لضمان التمثيل الأمثل للشعب، وهو فى رأيى من المواضيع الواجب مراجعتها وإعادة مناقشتها.

وهذه مداخلة مهمة تقول:

«يبقى السؤال الأهم: من هم المرشحون ومن هم الناخبون؟ وهل كلاهما مؤهل للقيام بدوره المفروض؟.. لاشك أن ذلك يتفاوت تفاوتا كبيرا من مجتمع لآخر طبقا لمستويات التعليم والوعى بشكل عام، وتلك هى المُعضلة الكبرى التى يجب أن تحلها فى مبادرتك الوطنية».

يقول أحد المواطنين:

«لتحقيق الحكم الرشيد فإننا نحتاج إلى النضج المجتمعى، والى إعادة بناء الإنسان وقيمه المجتمعية والتوازن بين حقوقه وواجباته. المسؤولية يا سيدى يتحملها عمليا طرفان رئيسيان: الدولة بأدواتها ومؤسسات المجتمع المدنى التنموية، وَيَا ليت يتوافق الطرفان فى إطار استراتيجية محكمة».

وكانت أهم المداخلات جاءت من طبيب مصرى مرموق يعيش فى أمريكا منذ ثلاثين عاما بعنوان: «جاء الْيَوْمَ الذى تنهار فيه الديمقراطية الأمريكية»

«أرجو أن تضع فى اعتبارك، عند صياغة مبادرتك نحو الجيل الرابع من الديمقراطية، أن مؤسسى الجيل الثالث كان أهمهم أمريكا، ومن تجربتى، فإنّ انتخاب الشخص المناسب سيمنعه سكان القرى والجهلة وأنصاف المتعلمين.. هذا ليس فى مصر لكنه فى أعرق ديمقراطيات العالم.. هكذا حللت مجلة «أيكونوميست» الحال السيئ الذى أصبحت عليه الديمقراطية الأمريكية. وحيث إنهم الكم الأكبر من البشر فهم المتحكمون فى نتائج الانتخابات المرتبطة بالمصالح الفردية ضيقة الأفق.

لقد أفرزت الانتخابات الأمريكية دونالد ترامب وهى نفس القاعدة التى أتت بأردوغان للحكم وثبتته فى تركيا مهما رفضه المتعلمون وأتت بمحمد مرسى والإخوان بأصوات المسيرين بفكرها الدينى فى مصر. لم يضع النظام الديمقراطى هذه الفرضية فى حسبانه فهو نظام ناجح ومتوازن فى الدول المتعلمة والمثقفة، فى الدول الأكثر تعلمًا كدول الشمال الأوروبى. لقد فشل تصدير النموذج الأمريكى فى العديد من الدول النامية، وها هو يكاد يفشل فى أمريكا نفسها، بعد ما فشل من قبل الحكم الشيوعى فى الاتحاد السوفيتى وأوروبا الشرقية.. فما هو البديل؟».

وأخرى تقول: «د. حسام: المقال خطير لأنه يناقش جوهر المعضلة السياسية الاقتصادية بالضرورة فى هذا الزمن، ليس فقط فى وطننا الغالى بل فى العالم أجمع. لقد أعجبنى تقسيم ديمقراطية الأجيال إلا أننى أذكرك أننا نرى اليمين المتطرف الديكتاتورى يجتاح العالم الديمقراطى الآن، فهل أصبحت الديمقراطية فكرة واقعية تواكب التغييرات الحياتية والتكنولوجية والثورة الرقمية الحالية، التى تغير واقع الأمم وتقوم بعملية غسيل مخ جماعية للشعوب من خلال أجهزة مخابراتية».

السؤال: هل الديمقراطية مازالت فكرة مطروحة فى عالمنا المتغير الذى تحكمه الإرادة الافتراضية؟

وأقول للجميع إننى مدرك أن كل ظروف الإنسانية تغيرت، والعالم حولنا يتبدل، ولابد أن نربط الجيل الرابع للديمقراطية بمتغيرات العصر. إن ما نعيشه من تطور لم يكن ممكنا فى وقت بدء الجيل الثالث من الديمقراطية، فلابد من صياغه شىء جديد.

مبادرة جديدة للحكم، بالاتفاق بين ما نحلم به من دولة مدنية وبين واقع القوة الحقيقية على أرض الواقع لا تحرم البلاد من إمكاناتها الإنسانية ولا من مؤسساتها الفاعلة الوطنية، مبادرة تعطى للحرية مكانها واحترامها بضبط العدالة الناجزة التى لا تسمح للحرية بالتحول، ولا بالتلاعب الانتقائى للقانون. مبادرة تسمح لعموم الشعب بالاختيار الحر، وتوازن حسن الاختيار بنظام برلمانى متوازن.

أمامنا أربع سنوات نبنى فيها رؤيتنا بالاتفاق وليس بالمظاهرات والثورات التى تهدم ولا تبنى، وتزيل واقعا وتعيد مثيله كأننا لم نفعل شيئا. أمامنا فرصة قبل أن نصل إلى خط النهاية فى ٢٠٢٢ لبداية جديدة تكون فيها مصر نموذجا بين البلاد. لا نريد أن نجد أنفسنا أمام نفس الوضع، ونفس البدائل فنعيد نفس الاختيارات متصورين نتائج مختلفة.

مصر تستحق أن نفكر ونتفق.

[email protected]

اقرأ المزيد