السبت, أبريل 20, 2024

اخر الاخبار

مقالاتد. على فخرولن تتعب هذه الأمة من محاولة النهوض

لن تتعب هذه الأمة من محاولة النهوض

بقلم: د.علي محمد فخرو

يوماً بعد يوم تنجح القوى الخارجية، المتئآمرة دوماً على الوطن العربي، والقوى الداخلية، الرَّافضة دوماً لكل إصلاح حقيقي قد يمسُّ مصالحها وامتيازاتها ونفوذها، في إفشال كل حراك جماهيري عربي يحاول إخراج وطنه من أوضاع الإستبداد السياسي والإستباحة الإقتصادية والإرتهان لإرادة الخارج والإندماج المذهل في مساوئ النظام العولمي النيولبرالي المتوحًّش.

ما يميًّز ذلك المشهد هو الإصرار على جعله مشهد صراعات وخلافات فيما بين أنظمة حكم عربية أو تقييمه على أنه نجاح باهر لهذا النظام أو إخفاق مخجل لذاك النظام.

يغييب الجانب الأهم في ذلك المشهد، جانب إرادة ومصالح وأحلام المجتمعات والشعوب، احتقاراً لها من قبل البعض، وإدخالاً في اليأس والدًّعة المذلًّه من قبل البعض الآخر.

ما يوجع ويؤلم هو أن تلك الشعوب والمجتمعات هي التي تدفع الثمن الباهظ، دماراً في مدنها وغياباً متعمداً لخدماتها الاجتماعية من مثل التعليم والصحة والنًّقل والعمل، وتهجيراً مخطًّطاً لملايينها إلى الملاجئ والتسؤًّل في الشوارع والإضطرار لبيع الجسد والإنغماس في كلً أنواع الرًّذيلة.

وبحرقة قلب وشعور بالعجز يشاهد الناس يومياً مناظر الأطفال والنساء والعجزة وهم يبكون ويولولون في الشوارع وفي الملاجئ البائسة القذرة المذلُّة لآدمية الإنسان. وبقدرة قادر تبقى الإمتيازات السابقة كما كانت، ويبقى الفساد السابق منتشراً ومتجذراً، وتبقى الشمس مشرقة على البعض، بينما الظلام الدَّاكن المرعب يلف غالبية المواطنين التُّائهين على وجوههم بين نيران الجحيم الذي يعيشونه ليل نهار.

من قبل كان الإدًّعاء الكاذب بأنًّ الحراكات فيها عنف يهدًّد الأمن الداخلي، وبالتالي لابًّد من مواجهتها بالبطش والسًّجون وتضييق الحريًّات وإصدار أشكال لاحصر لها ولاعدًّ من القوانين الجائرة. لكنًّ حراكات الشهور القليلة الماضية الكبيرة المليونية المسالمة القانونية إلى أبعد الحدود فضحت المستور وراء أقنعة الخارج والداخل.

كل وسائل الخداع، والتًّسويف، والاعتقالات، والتًّلاعب بالوقت والإتهامات الملفقًّة، والوعود المسكًّنة المخدًّرة غير الصادقة، جميعها استعملت وأعيد طرحها كاستجابة واعدة وضرورية لمطالب الملايين المسالمين المغدورين في كل جانب من حياتهم المعيشية.

كان الأمل أن تتعلًّم نخب الحكم العربية ومن وراءها من المآسي الجنونية التي غطًّت بعض أجزاء الوطن العربي في العشر سنين الأخيرة وأحالت الوطن العربي إلى خراب ويباب تنعق فيه الغربان، وأن تصحوا المؤسسات الإقليمية العربية المشتركة من سباتها وكسلها وقلًّة حيلتها، لكنًّها جميعاً لم تتعلًّم، ولم يصح ضميرها الجمعي بعد، وبقيت تمارس شعار: عليًّ وعلى أعدائي، وليحترق الجميع.

يستطيع من يريد أن يصف ما قلناه بأنه بكائية من بكائيات أمة العرب. لكنًّ الإحن والمحن التي تعيشها الأمة العربية يجب أن توصف كما هي، فلعلُّ مناظر الشياطين وهم يبتسمون في أغلب العواصم العربية تحرًّك ساكناً في الجهة الوحيدة المؤمًّل منها شيئاً: جهة المجتمعات المدنية العربية، وعلى الأخصًّ شبابها.

هؤلاء يجب أن يعوا بأن كل ممارسات العلاقات العامة المظهرية التي تمارسها بعض الجهات، بخبث وتمويه، وبأن كلًّ الدُّفع الممنهج لإنغماس شباب وشابات الأمة في الثقافة العولمية الإستهلاكية الفردية المسطًّحة الكارهة لكل التزام وطني وقومي وإنساني، وبأن الهوس البليد بسخافات المنافسات الرياضية وتقليعات الغناء المبتذل وانبهارات وسائل التواصل الاجتماعية المتغيُّرة يومياً.. بأن جميع ذلك لن يكون طريقاً حاسماً ومؤكداً لإخراج أوطانهم من الجحيم الذي تعيشه، ولإستجابة قوى الإمتيازات الداخلية والخارجية للمطالب العادلة التي رفعوها ويرفعونها.

كل ذلك لن يجفُّف الدموع، ولن يوقف إراقة الدًّماء، ولن يمنع تدمير المدن، ولن يؤخًّر التوجًّه السريع لإعطاء الاستخبارات شرعية إتخاذ القرارات الكبرى.

ما قلناه ونعيد قوله بأن لا حلًّ إلاً بقيام كتلة متناسقة متعاونة متعاضدة من قوى المجتمعات المدنية العربية الحيًّة النشطة المعبُّرة عن ضمير الأمة، وذلك لمواجهة الإنحدار الخطر الذي تتوجًّه إليه الأمة، إذ لن يستطيع أحد أن ينجو من الطوفان الهائج الذي يخطًّط لهذه الأمة.

عندما بدأت حراكات وثورات الربيع العربي، وتعثًّر الكثير منها، قلنا بأن الثورات لها منطقها في الفشل والنجاح، في الصعود والهبوط. خروج الملايين من الشعب العربي من جديد للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة يؤكًّد أن الشعوب العربية لن تتوقف بعد الآن عن تغيير أوضاعها المزرية، مهما كانت الآلام والتضحيات. هذه الحقيقة يجب أن تقنع الكثير من الجهات الخارجية والداخية أن لاتراهن على عامل الوقت وعلى الضعف الذي سيدبًّ في هذه الأمة التي ستنهض، طال الزًّمن أم قصر.

اقرأ المزيد