الجمعة, أبريل 19, 2024

اخر الاخبار

مقالاتد. على فخروأوهام «وارسو» والأسئلة المطروحة

أوهام «وارسو» والأسئلة المطروحة

د.على محمد فخرو

دعنا من حفلة الزواج المنقوصة في وارسو، حيث وقف العريس، والدًّم الفلسطيني يقطر من يديه وأسنانه، يوزًّع ابتسامات التعالي واحتقار من حوله، خصوصاً الشهود المدعوين العشرة المرتبكين بخجلهم وخوفهم وذلًّهم.

كان واضحاً أن العروس الفلسطينية، التي عانت من قهر وخيانات وتلاعبات حفلات العرس الفاشلة السًّابقة، قد قرًّرت أخيراً عدم حضور حفلة العرس الشيطانية الجديدة بالرغم من إغراءات الصُهر الصهيوني لها وللشًّهود المخدوعين.

تلك حفلة ضحك عليها من ضحك وبكى عليها من بكى. ولننتقل إلى الجدُّ وطرح الأسئلة على من شربوا القهوة في خلوة مع مجرم العصر نتنياهو.

أولاً،هل سأل أحدكم نتنياهو عًّما يًّعنيه في العرف الصهيوني شعار”يهودية الدولة”؟

هل سيعني اعتبار مليون ونصف مليون فلسطيني، ممًّن يعيشون في الجزء المحتل من فلسطين، كمواطنين من الدرجة الثانية، محرومين من ألف حقًّ وحقًّ إنساني وقانوني؟ أم أنه سيعني استعمالاً جديداً لجرائم الإبادة والاستباحة والتخويف الصهيونية من أجل دفع الفلسطينيين للخروج من بلدهم إلى معسكرات اللاًّجئين والمنافي وكل أنواع القهر، تماماً كما فعلت جحافل الغزو والإبادة الصهيونية في الأربعينات من القرن الماضي؟

ثانياً، هل تجًّرأ أحد مًّمن صافح يد من يأمر يومياً بقتل شباب فلسطين وأطفالها فقط لأنهم يقاومون الاحتلال، وبهدم بيوت الفلسطينيين وإلقاء نسائها وشيوخها في الشوارع والعراء كعقاب إجرامي للعائلة كلها، فقط لأن إبناً من أبنائها مدًّ يده وصفع شرطياً صهيونياً متعجرفاً وشاهراً سلاحه .. هل تجًّرأ وسأل:

عمُّن يتحدث النشيد الوطني الصهيوني عندما يزأر أولاد وجنود الصهاينة يومياً بترداد نشيد من مثل ” ليرتعد من هو عدو لنا، ليرتعد كل سكان مصر وكنعان وبابل حين نغرس رماحنا في صدورهم ونرى دماءهم تراق ورؤسهم مقطوعة، وعنئذ نكون شعب الله المختار…؟

أم أن الشاهد الوزير العربي الهمام الذي أدًّعى أمام نتنياهو بأن الشعب العربي قد تخلًّى عن ونسي مشاعره السابقة الرافضة للاستعمار الصهيوني وجرائمه لم يسمع عن هذا النشيد الذي لم يتخلً عن ولم ينسى مشاعره الحاقدة الدموية الكريهة تجاه سكان أرض مابين نهري النيل والفرات؟.

ثالثاً، هل تجرأ أحد من الذين شربوا القهوة مع نتنياهو ليسأله: ماذا عن ” قانون العودة” الذي صدر سنة 1950 ، والذي يعطي كل يهودي في العالم، مهما كانت جنسيته، حق “العودة” إلى فلسطين كمواطن كامل المواطنة؟ هل سيتخلًّى الكيان الصهيوني عن ذلك القانون؟ وإذا لم يتخلًّ عن ذلك، فهل سيعترف بحق سبعة ملايين فلسطيني العودة إلى وطنهم والسًّكن فيه كمواطنين؟.

ومادام الحديث عن ” العودة ” فهل ذكًّر أحدهم نتنياهو بأن إطلاق اسم “ارض اسرائيل” على أرض فلسطين كان كذبة تاريخية دحضها اليهودي استاذ التاريخ المعاصرفي جامعة تل أبيب، شلوموساند، عندما أكًّد بأن فلسطين لم تعرف طيلة تاريخها بأرض اسرائيل، وإنما عرفت في البداية بأرض كنعان، ثم عرفت بفلسطين منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد؟ وهو نفسه الأستاذ الذي دحض أسطورة إنغلاق الديانة اليهودية على الشعب التوراتي القديم، ودحض وحدة الأصل والإنتساب لبني إسرائيل، ودحض أسطورة عودة “الشعب” إلى “أرضه” من “الشتات”، أي دحض كل الأكاذيب التي قامت عليها الأساطير والتخيلات الصهيونية ومبًّررات قيام كيانها الغاصب.

بل وهل تجرأ أحدهم وسأل المجرم عن حدود ” الدولة ” التي يدعون العرب الضيوف لقبولها. ؟ فلا يزال الكيان يصُّر على عدم ذكر أيًّ حدود لتواجده السرطاني في الأرض العربية.

رابعاً، هل تفضًّل أحد الذين اختلوا بالمفاخر يومياً بقتل الفلسطينيين واستباحة أرضهم وسرقة ممتلكاتهم، هل سيعيد الكيان ممتلكات المواطنين الفلسطينيين العرب التي اغتصبت عبر السبعين سنة الماضية؟ هل سيعيدون م ايزيد عن سبعة عشر ألف كيلو متر مربٌّع ، اي حوالي خمسة وستين في المائة من أرض فلسطين، صودرت من خلال قوانين كاذبة حال قيام الكيان الاستعماري الاستيطاني من مثل “قانون أملاك الغائبين” الذي صدر عام 1950؟.

رابعاً، هل سأل أحد نتنياهو عن مصير الأراضي اللبنانية والسورية والأردنية المغتصبة المحتلة، وهل ستعاد إلى حكوماتها؟ أم أنها كأرض فلسطين ستصبح ملكاُ لملايين الغزاة اليهود الصهاينة الذين استعمروا وسيستعمرون أرض العرب؟.

وهل سيزيلوا جدار الفصل العنصري العازل الذي حكمت محكمة العدل الدولية بضرورة تفكيكه نظراً لعدم شرعيته؟ وهل سيعوضوا أهل من اغتالهم جهاز الموساد في طول وعرض بلاد العرب؟ وهل سيعتذروا عن ارتكابهم عشرات المجازر، من مثل مجزرة دير ياسين وقانا، وهل سيعترف ويعتذر جيش الإحتلال عن تناوب اثنين وعشرين من ضباطه وجنوده على إغتصاب طفلة فلسطينية في سنًّ الثانية عشر حتى الموت حال إعلان قيام كيانه في الأربعينات؟ وهل سيرفع الحصار الجائر عن غزًّة الجائعة المدمًّرة المنهكة؟ وهل سيخرج الألوف من الفلسطينيين القابعين في سجون الإحتلال تحت التعذيب والإذلال والاغتصاب؟.

خامساً، وأخيراً ، هل سأل أحدهم نتنياهو، الذي كتب وألقى خطباُ عن الفكر الصهيوني، كيف سيتعايش الفلسطينييون والعرب مع فكرة الوعد الإلهي التي تعتبر أن “أرض اسرائيل” قد منحت بارادة ربانية “للشعب” اليهودي؟.

ألن يعني ذلك أولوية الحق اليهودي في كل أرض فلسطين العربية وهيمنة شعار “التوراة هي مصدر حياتنا، ويجب أن تكون أساس انبعاثنا في أرض آبائنا”؟.

وكيف سيكون للفلسطينيين حظ في العيش في فلسطين إذا كان شعار الصهيونية هو التوسع الديموغرافي اليهودي والهيمنة العسكرية على كل ذرة من فلسطين، دون حدود، وإلى الأبد؟.

سنفترض أن عرب وارسو يريدون حلاً للموضوع الفلسطيني. ولكن هل يمكن الكلام عن أيًّ حلً سياسي سلمي إنساني دائم إذا لم تناقش الأسس الفكرية والأخلاقية التي سيقوم عليها ذلك الحل؟.

ألم يكن أجدى من تطمين نتنياهو ، عن طريق الكذب وإدًّعاء معرفة مشاعر الشعب العربي الجديدة، ومساعدته لينتفخ ويفاخر بانتصاره التاريخي على الفلسطينيين واخوانهم العرب، ألم يكن أجدى أن يطرحوا الأسئلة ليكتشفوا أن الفكر الصهوني، الكلاسيكي والجديد، قائم على ألأساطير والأكاذيب واحتقار العرب والإصرار على ممارسة الهيمنة على وجودهم السياسي والاقتصادي والثقافي؟.

نقول للذين صافحوا وجلسوا مع المجرم: أنتم تعيشون في وهم، وننصحكم أن تقرأوا ماكتبه وقاله عتاة الصهيونية عنكم لتعرفوا أن الثعلب لن يرحم الدًّجاج قط وأن ما أخذ بالخداع والكذب والقوة لن يستعاد إلاً بالقوة، فلا أميركا وأوروبا الاستعمارية ولا هيئة الأمم الضعيفة المشلولة ستنفع.

اقرأ المزيد