الخميس, مارس 28, 2024

اخر الاخبار

مقالاتانطلاق الحملة الوطنية لإزالة وصمة المرض النفسى

انطلاق الحملة الوطنية لإزالة وصمة المرض النفسى

تحت شعار “الألم النفساني زي أي مرض.. له علاج”، أطلق اليوم الدكتور أحمد عكاشه أستاذ الطب النفساني ومستشار رئيس الجمهورية للصحة النفسانية والتوافق المجتمعي ، “الحملة الوطنية لإزالة وصمة المرض النفساني”.

وذلك تحت رعاية الجمعية المصرية للطب النفساني برئاسة الدكتور ممتاز عبد الوهاب، واتحاد الاطباء النفسانيين العرب، والعالم الجليل الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق ورئيس مجلس أمناء مؤسسة مصر الخير، وكل رؤساء اقسام الطب النفساني.

فيما تحمست شركة جانسن في مصر لرعاية هذه الحملة نظرا لاهتمامها الخاص بزيادة الوعى بالمرض النفساني، وإزالة الوصمة ومحاولة العلاج المبكر ويمثلها الدكتور رامز محسن فوزي المدير التنفيذي لشمال افريقيا.

وتشير الإحصاءات الدولية الى ازدياد نسب انتشار الاضطرابات النفسانية في جميع أنحاء العالم، حيث ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب والقلق من 416 مليون إلى 615 مليون نسمة أي بنسبة 50% تقريباً.

وتمثل الاضطرابات النفسانية 38% من العبء العالمي للأمراض. بينما يشكل المرض النفساني واحد من كل أربعة اشخاص، فيما بلغ عدد الاضطرابات النفسانية طبقا لأخر مسح قامت به الأمانة العامة للصحة النفسانية في مصر ان المرض يصيب 24٪ من السكان بما يعادل ربعهم تقريبا.

كما اشارت الدراسات الى إن عدد المنتحرين في العالم حوالى مليون نسمة، 70% منهم يعانون من الاكتئاب، وان علاج الاكتئاب والمرض النفساني هو استثمار لاقتصاد الامة، وفى دراسة حديثة في لندن من كلية الاقتصاد البريطانية، ثبت ان علاج الاكتئاب وعودة المرضى للعمل والمشاركة تزيد من الناتج القومي بنسبة 3%.

وأوضح الدكتور أحمد عكاشه، أنه عندما كان رئيسا للجمعية العالمية للطب النفساني، قامت الجمعية بحملة على مستوى العالم لإزالة الوصمة بسبب المرض النفساني، وعندما وجد الفرصة سانحة الآن للقيام بهذه الحملة في مصر فقد قرر اطلاقها برعاية المؤسسات السابق ذكرها.

وقال، إن الطب النفساني يعرف بأنه أحد فروع التخصصات الطبية ويشمل اضطرابات التفكير، والعاطفة، والادراك، والارادة مما يؤدى الى اضطراب في الشخصية والسلوك وقد يكون السبب خللا في عمل الدماغ او بسبب امراض عضوية في الكبد، أو الكلى……الخ.

وأشار الى ان وصمة المرض النفساني بدأت عندما تم فصل الجسد عن النفس، فقدماء المصريين كان عندهم المرض النفساني مكانه في القلب أو الرحم (الهستيريا) وذكرت كل الامراض النفسانية في بردية “إبر” المخصصة لأمراض القلب أو بردية كاهون عن امراض الرحم (الهستيريا)، ومن ثم كانوا يعالجون على انهم مرضى بالقلب أو بالرحم، وبالطبع لا يوجد وصمة لأنه كان يعالج كمريض قلب!!. وكلمه الطب النفساني بدأت في عام 1808 ومعناها الحرفي “العلاج الطبي للروح”! الآن العلوم العصبية (سواء السلوكية أو العضوية)، وفي القرون الوسطى كان المرض النفساني يؤول على انه مس من الجن، أو الشياطين أو أرواح شريرة أو أسياد وكانوا يعذبون ويحرقون في اوروبا.

وأضاف د.عكاشه، ان الغرض من المستشفى العقلي في هذا الوقت كان إيداع المريض لحماية المجتمع من خطورته حيث لا يوجد أي علاج، ولكن العلاج لمعظم الامراض النفسانية قد تم اكتشافه بالفعل، واصبحت كل المستشفيات العامة والمستشفيات الجامعية بها اقسام للطب النفساني بالإضافة الى مستشفيات وزارة الصحة (18 مستشفى) والان تتجه معظم بلاد العالم الى بناء مستشفيات او اقسام للطب النفساني مثل باقي التخصصات داخل المدينة وليست على اطرافها وأصبح المريض النفساني يعامل مثل مريض القلب، السكر والسرطان وله كل حقوق المريض.

فيما وجدت دراسات اخرى أن التكاليف المقدرة للتوسع في العلاج، الذي يتضمن في المقام الأول المشورة النفسانية الاجتماعية والأدوية المضادة للاكتئاب تبلغ 147 مليار دولار أمريكي، تفوق التكاليف مع تحسين مشاركة القوى العاملة وإنتاجيتها بنسبة 3 ٪، وتقدر قيمتهما بنحو 399 مليار دولار أمريكي، فتحسين الصحة يضيف إلى ذلك 310 مليار دولار من العوائد.

ومع ذلك، فإن الاستثمار الحالي في خدمات الصحة النفسانية يقل بكثير عن اللازم. فوفقاً لمسح عام 2014 لأطلس الصحة النفسانية التابع للمنظمة العالمية للصحة، تنفق الحكومات 3% في المتوسط من ميزانيات الصحة الخاصة بها على الصحة النفسانية، وتتراوح النسبة من 1% في البلدان المنخفضة الدخل إلى 5% في البلدان المرتفعة الدخل.

واكد عكاشه على ان الصحة النفسانية يلزم أن تعد أولوية إنسانية وإنمائية عالمية، وأولوية في كل بلد من البلدان، كما يلزم توفير العلاج الآن لمن هم في أمس الحاجة إليه، وفي المجتمعات المحلية التي يعيشون فيها. وإلى أن يتم ذلك، سيظل المرض النفساني يستنفذ إمكانيات الناس والاقتصاد.

وأشار الى ان الاستثمار في مجال الصحة النفسانية معقول على ما يبدو من الناحية الاقتصادية، لأن استثمار كل دولار أمريكي واحد في تحسين علاج الاكتئاب والقلق يحقّق عائدات قدرها 4 دولارات أمريكية في ميدان تحسين صحة الفرد وزيادة قدرته على العمل.

ويزيد الاكتئاب من خطورة الإصابة باضطرابات وأمراض ناجمة عن استعمال المواد النفسانية التأثير (الادمان)، وداء السكري وأمراض القلب والسرطان.

وإن وصمة المرض النفساني وتهميش المريض النفساني والابتعاد عنه ونبذه من الجيران، ونظرة الاطفال له على انه مجنون ويجب الحذر والابتعاد عنه والخوف من التقرب اليه يؤثر في المريض بطريقة سلبية ويجعله يفقد ثقته بنفسه ويصاب بانخفاض في الروح المعنوية وعدم قدرته على الاختلاط والعمل مما يشكل العجز في التكافل الاسرى وزيادة حالات الطلاق والامتناع عن العمل بل ان اللجوء للمخدرات منتشرا بينهم للهروب من الوصمة (حوالى 30-40%) وكذلك قد ينتشر الانتحار بنسبه تتراوح من 12-15%.

ان المريض النفساني لا يحظى بالعناية إذا اصيب بأمراض في القلب، الضغط، السكر أو السرطان لأنه مريضا نفسانيا. مما جعل المرض النفساني يقلل من عمر الانسان حوالى 15 عاما.

وقال عكاشه، انه لا يوجد في الطب النفساني اضطرابا او مرضا يسمى بالجنون، واساء الإعلام المرئي والمقروء لصورة المريض النفساني، وما كانت تراه الناس في السينما والمسلسلات لا يعبر عن حقيقة المريض النفساني بل معظمها تصورات خاطئة، وكلنا مرضى عقليين لمدة ساعتين يوميا فالأحلام عبارة عن هلاوس وخيالات وضلالات، 90 دقيقة من النوم الحالم تتناوب مع ساعتين من النوم غير الحالم، فالمرض النفسى الذهانى ما هو إلا زحف الاحلام والخيالات الى اليقظة.

كما ان هناك بعض الاعتقادات الخاطئة من بينها “إن المريض النفساني لا يشفي”، إن الفصام اشد الامراض ويعنى اضطرابات التفكير (الشكل، والمحتوى، والتحكم، والتأثير، والعواطف، والادراك، والحواس) وقد يؤدى عدم العلاج الى تدهور في الشخصية.

ولفت الى ان الدماغ هي اساس كل الاضطرابات النفسانية، وان هناك نسبة كبيرة تشفي منه مع العلاج، كما ان الاعتقاد “إن فشل الأهل في التربية والتنشئة يسبب المرض النفساني”، والحقيقة: هي أن الأطباء النفسانيين منذ زمن فرويد والتحليل النفساني وكذلك علماء النفس والاجتماع قد اعتبروا الأسرة الركيزة الأساسية في تكوين شخصية الإنسان الفرد وما قد تعانيه من المرض النفساني – واهتم الكثيرون بالأسرة لتوضيح القوى المحركة لإحداث المرض.

وبالرغم مما بذل من الجهود في هذا الصدد، لا يوجد دليل علي أن الجو الأسري أو سوء أو فشل الأهل في التربية يسبب المرض النفساني، و الاعتقاد الخاطئ: “إن الاضطراب النفساني مرض معدي” ليس صحيحا، أو ” إن معظم من يعانون من الاضطراب النفساني غير قادرين علي العمل أو الزواج أو الحصول على بطولات” وهذا ايضا ليس صحيحاً، وهناك اعتقاد خاطئ أخر : “إن الصالحين والأتقياء لا يمكن أن يصيبهم المرض النفساني نظرا لما يعتقده الكثيرون من أن الفصام – إنما يعزي فقط لتسلط الشيطان علي ضعاف الإيمان”، والحقيقة هي أن الفصام مرض عضوي في المخ مثله مثل بقية الأمراض التي تصيب أعضاء الجسم كأمراض القلب أو الشرايين أو المعدة أو الكلي أو العضلات أو العيون أو السكر – وإنه يعالج كما تعالج هذه الأمراض بالأدوية المناسبة.

وأخيرا أكد الدكتور عكاشه ان نصف في المائة فقط من المرضى النفسانيين هم من يحتاجون الدخول الى المستشفيات لتلقى العلاج، بينما 99.5% يمكن علاجهم من خلال العيادات الخارجية، فيما لا يذهب من المرضى النفسانيين الى الطبيب النفساني سوى 3% فقط حيث يتجه الباقون الى الممارس العام نظرا لان 60-70% من الامراض النفسانية تبدء بآلام واعراض عضويه، بينما يتجه المرضى النفسانيين في البلاد العربية الى العلاج التقليدي، أو الشعبي، أو الديني.

ومن جانبه، أوضح الدكتور ممتاز عبد الوهاب أستاذ الطب النفساني ورئيس الجمعية المصرية للطب النفساني، ان من أكبر المشكلات التي تواجه الطب النفساني في المجتمعات العربية حاليا هو انتشار المفاهيم الخاطئة عن الطب النفساني وعن طبيعة المرض النفساني.

وهو ما يسمى بالـ “ستيجما” او وصمة العار التي ترتبط بالمرض النفساني أو الطبيب النفساني وتمتد الى المستشفيات النفسانية والمرض واقاربهم وأساليب العلاج النفساني.

والمقصود بالوصمة هو الشعور بالخجل والنقص والرفض وعدم الاهتمام من قبل الاخرين.
ولا شك ان الجمعية المصرية للطب النفساني والتي تضم معظم او كل الأطباء النفسانيين العاملين في مصر والدول العربية تولى هذا الموضوع اهتماما كبيرا ولهذا كانت مشاركتنا في هذا العمل القومي الوطني الذى يهدف للقضاء على الخرافات وسوء الفهم الذى ارتبط بالمرض النفساني ويجعل المريض ينعزل بنفسه ويتأخر علاجه وذهابه للطبيب النفساني مما يقلل من فرص شفائه او تجعله يلجأ لاستعمال المخدرات كنوع من العلاج الذاتي بالتغلب على مشاكلة النفسانية.

وتهدف الجمعية من خلال هذا البرنامج الى زيادة الوعى بطبيعة المرض النفساني، و تحسين النظرة للمصابين بالمرض النفساني وعائلاتهم، والعمل على منع التمييز والتحيز ضد المرض النفساني والمريض النفساني.

وكان للجمعية محاولات كثيرة في هذا الاتجاه الا انها لم تكن في صورة مشروع قومي متكامل مستمر، ولكنها كانت محاولات بعضها كان مباشر وبعضها كان غير مباشر.

ومنذ فترة نجح الدكتور احمد عكاشه في اقناع القائمين على شئون التجنيد بعدم كتابة سبب الإعفاء من التجنيد المرض النفساني في الشهادة لما كان يسببه من حرمان للمريض من الالتحاق بالعمل، ويجعله مطاردا بسبب مرضه الذى لا ذنب له فيه، والاكتفاء الان بكتابة معاف من الخدمة العسكرية لأسباب طبية اسوة بباقي الامراض.

وعلى صعيد آخر، أوضح الدكتور رامز محسن، المدير التنفيذي لشركة جانسن شمال افريقيا، أن نجاح الحملة الوطنية لإزالة وصمة المرض النفسي يعتمد على توفر العلاجات المناسبة للمرضى في الوقت المناسب، وأن الشركة تعمل في مجال الصحة النفسية على مدار 50 عاماً.

وأشار الى أن مستقبل دولة في حجم مصر يتوقف على استغلال مقومات شبابها، حيث أنهم بناة المستقبل، وبناءا عليه تتبنى الدولة المصرية سياسية الاهتمام بالمواطن المصري وبالأخص الشباب. وأضاف أن الأمراض النفسية تشكل عبء ضخم على القطاع الطبي، لاسيما أن إهمال هذه الامراض قد يؤدي إلى تدهور حالة المريض واحتمالية الحاجة إلى إمضاء أوقات طويلة في المستشفى مما يستهلك موارد الدولة التي هي في أمس حاجة إليها. ويؤثر بالسلب على إنتاجية المرضى.

وبناءً عليه، وطبقا لتوجهات وزارة الصحة المصرية، وتضافر مجهودات المجتمع المدني فإن الاهتمام بالتوعية بالمرض النفسي وإزالة الوصمة المرتبطة به، وتوفير العلاج المناسب في الوقت المناسب مما يؤدي إلى تحسن الحالة الصحية والاقتصادية للمجتمع المصري ككل.

 

مؤتمر المرض النفسي

اقرأ المزيد