محمد الدمرداش
دائما ما يثير استفزازي اسلوب الاختلاف والاعتراض الموجود بيننا كعرب وكمصريين خاصة، وكتبت في ذلك أكثر من مرة ثم امتنعت عن الكتابة لفترة (سنة) تقريبا بسبب هذا الأختلاف بيني وبين من حولي من الأهل والأصدقاء بسبب طريقة واسلوب الاعتراض الذي يصل احيانا الي المقاطعة وخلطهم للأمر مابين اختلافنا الذي لا يأثر بأي حال من الاحوال علي علاقات الصداقة والمحبة بيننا وبين احترامهم لشخصي.
ولأن الاختلاف هو من حكمة الله سبحانه وتعالي في خلقه كما قال في سورة هود ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ). فأنا أتحدث الان عن كيفية الاختلاف والاعتراض وأزمة الحوار، فكما قال محمد جاد الزغبي في كتابه (تعلم كيف تكون مثقفاً) أن الحوار قديماً كان يجري في عذوبة وسلاسة . دونما ثورة .. دونما علو صوت إلا للحماسة فقط كان الحوار والجدال جدال خير.. لا مراء شر.
كانت مناظرات ومساجلات أهل العلم والفكر قمة في احترام الرأي والرأي الآخر وتقدير الحجة لدي كل منهما، وفي نهاية الحوار غالباً ما تثمر الإتفاق‘ فمحاورات العلماء قائمة علي تبادل الحجج سعياً وراء الحق وحده لذا فلا يجد أي طرف محاور من العلماء نقيصة في الأعتراف لمحاوره بصحة رأيه.. أما محاورات الجهلاء فتلك القائمة علي الإعجاب بالرأي وهو آفة المجتمع الحقيقية الآن . عملاً بمبدأ من ليس معي فهو ضدي. وصدقت مقولة الإمام علي رضوان الله عليه: “لو حاورت ألف عالم لغلبته.. ولو حاورني جاهل واحد لغلبني” والمعني المقصود واضح لأن الإمام علي بما أوتي من قوة الحجة ونبوغ الأسلوب قادر علي أحتواء العلماء أمامه لأن العالم عندما يحاور يهدف أولا وأخيراً الي الوصول للحق.. بغض النظر عما إن كان الحق حليفه أم حليف محاوره.. اما الجاهل فهدفه من الحوار هو هزيمة محاوره بغض النظر عما إن كان الحق حليفه أم حليف محاوره.. لأن المناقشة هنا تعد مضماراً للخصومة لا العلم، فمهما بلغ العالم من قوة الحجة وغلبة المنطق فلن يستطيع مطلقاً إقناع من لايريد الإقتناع طالما كان في قلبه هوي.
ومع أن الإسلام هو دين الوسطية إلا أننا للأسف عدنا في حوارنا لأسلوب الجاهلية بل إلي ما هو افدح .. فالحوار بين سبيلين كلاهما قمة التطرف فإما مؤيد علي طول الخط وإما معارض علي طول الخط ففي المجال السياسي مثلا إذا فتح الباب أمام مناقشة لعصر حالي أو ماض .. ستجد نفسك أمام مسرحية هزلية .. ومعركة بين مؤيدي ذلك العصر أو ذاك.. وكلاهما علي باطل لأنه ما من حاكم خاصة بعصرنا الحالي إلا وله من العيوب أفدحها وله من المواقف ما يٌحترم .. لكن من يؤيد يؤيد علي الإطلاق فيري الباطل حقاً، ومن يعارض يري الحق باطلاً.
كيف تكون المعارضة وكيف يكون الاعتراض.
الإعتراض أن تبدي رأياً سلبياً في خصوص أمر ما يصدره الرئيس أو من بيده السلطة . لكن دون أن يكون لديك البديل المناسب لطرح المعترض عليه.
والمعارضة هي أن تأخذ موقفً رافضاً لأمر ما يقره الرئيس أو من بيده السلطة وتقدم أسباب رفضك وتطرح بذات الوقت بديلاً مناسباً لما رفضته.. وتكون المناقشة هي أساس المفاضلة بين رأيك وبين ما اعترضت عليه .. والحكم لأغلبية الرأي.
لكننا وللأسف الشديد لا نري من يعارض الآن .. معارضاً لهدف بل لهوي.. ولا نجد من يعترض.. يعترض طلباً للأصلح.. بل للمصلحة الشخصية.. وأصبح كل طارح لرأي لا يحتمل له نقدا أو تعديلا، كما أنه أتي برأي منزل من السماء..!
ولو صادف رأيه نقدا.. فالرد سابق التجهيزبين اتهامات بالجهل والكفر وما إلي ذلك – وينسي رامي الاتهام انه خرج عن موضوع الحوار إلي تفاهات التراشق بالألفاظ والاتهامات.. مع أن جهده من المفروض أن ينصب علي توضيح رأيه والدفاع عنه بالمنطق والحجة.. والرد يجب أن يكون منصباً علي رأي المعارض لا شخصه.. لكن من يسمع ومن يفهم.
رحم الله زمانا.. كنا فيه أهلا للفكر .. لا أصناما للهوي .. رحم الله زمانا .. كنا فيه في الله إخوة .. وفي الإيمان قدوة.
الان